مؤسسات وقفية تبني عمان

جمال مبارك النوفلي

قبل بضعة أيام وعلى غير العادة كنت مدعواً بصحبة الدكتور خليفة الغماري المُدير العام لليسر للصيرفة الإسلامية إلى حضور حفل لتدشين مشروع المؤسسات الوقفية الخيرية الذي تتبناه وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، وكنَّا قد حضرنا متأخرين بعض الشيء على غير العادة أيضًا، إذ إنني لم انتبه إلى أنَّ الوزارة قد غيرت مقر الاحتفالية من قاعة نادي الواحات إلى قاعة فندق شيراتون الجديد في روي، وعندما وصلنا إلى الفندق كان الاستقبال حفيًا ومهيباً .. ومنظمًا أيضًا فبعض مديري الدوائر الذين تربطني بهم صداقة كانوا في مُقدمة المضيفين والمنظمين للحفل، وأما القاعة فهي قاعة واسعة وفاخرة تتدلى منها الثريات الكبيرة بشكل مُتناسق وبرَّاق يملأ الأرجاء بالضوء والنور، وكل المشايخ وموظفي الأوقاف كانوا حضورًا بوقار لحاهم وعصيهم المتينة وخناجرهم المتموضعة تحت صدورهم وهم جلوس على طاولات مُستديرة وأمام كل منهم حزمة من الكُتيبات عن الفعالية والقوانين اللوائح المنظفة للوقف، وهناك خلف المنصة الكبيرة تستقر شاشة تلفزيونية عملاقة هي الشاشة الأكبر بين الشاشات الأربع التي تتوزع على جانبي القاعة، وأمامها فوق المنصة نفسها انتصب مُقدم برنامج الحفل بزيه الرسمي الجميل مشيدًا بإنجازات الوزارة ومشددًا ومؤكداً على دور مَعَالي الشيخ عبد الله السالمي في تحقيق هذا المشروع المنتظر، والحقيقة أنَّ معاليه لم يدَّخر جهدًا ولم تكِل همته من أجل النهوض بالوزارة وتطويرها وتحديث ممارستها وإجراءاتها من أجل إحداث نقلة نوعية في إدارة الأوقاف وحتى تكون هذه الوزارة أيضًا جزءًا مكملا للحكومة الإلكترونية التي تنشدها الدولة، وليس هذا فحسب بل إنَّ الوزير نفسه كان يلتقي بنا كموظفي بنوك إسلامية وموظفي شركات تقنية المعلومات في مكتبه بالوزارة من أجل تبادل التجارب والخبرات، ودائماً ما كانت رؤاه وتوقعاته سبَّاقة وثرية، لهذا ليس من الغريب أن يرى هذا المشروع النور خلال أقل من سنة منذ بداية الاشتغال الفعلي على تحديثه وتطويره، وهو بهذا الجمال في الإخراج والروعة في التنظيم، وفكرة المشروع كما تمّ شرحها من خلال المتحدثين، هي تفعيل دور (الوقف) في عُمان بطرق أكثر تنظيماً وأكثر نفعاً لشرائح المجتمع وأسهل تنفيذا للمحسنين وأهل الخير، واعتبر المتحدثون عن الوزارة أنَّ هذا المشروع هو مشروع حضاري وحيوي سيعُم بالخير جميع الأصعدة والمستويات، وشرح معالي الوزير الرؤية الثاقبة لصاحب الجلالة المُعظم من خلال إصداره لقانون الأوقاف في عام ٢٠٠٠م بالمرسوم السلطاني رقم ٦٥/٢٠٠٠ ، ودور الوزارة في الإشراف وتنظيم عمل وإنشاء المشاريع الوقفية، والتي حددتها اللائحة التنفيذية لقانون الأوقاف بنوعين؛ صناديق وقفية، ومؤسسات وقفية. 

على كل حال، بالرغم من أنَّ المشروع حالم ومتقن في تأسيسه، إلا أن هناك ملاحظات لابد أن أضعها بين يدي من يهمه الأمر: 

أولا: سلطنة عُمان تعتبر من الدول الثرية بأوقافها، ولو كتب لهذا المشروع النجاح فإنّه سوف يعود بالخير العميم على العمانيين والمُقيمين في هذا البلد، وسيعجل من دوران عجلة الاقتصاد وسيفعل دور القطاع الخاص، لتوفيره سيولة مادية من مؤسسات ذات مركزية جيدة ولديها النفس لمنح تمويلات لمشاريع كبيرة. 

ثانياً: ليس لدى وزارة الأوقاف الكفاءات التي يمكنها أن تدير هذه المؤسسات الوقفية، لذلك حسنًا فعلت حين منحت الواقفين أو الأهالي فرصة اختيار وكلاء الوقف أو أعضاء مجالس إدارات الوقف. 

ثالثًا: هذه الإجراءات الجديدة قد تلاقي العديد من المعارضات من وكلاء الوقف السابقين أو من بعض المنتفعين منها بطرق غير مباشرة، ويجب أن تتعامل الوزارة بحكمة وحزم من أجل تحقيق الأهداف المنشودة من هذا المشروع. 

رابعاً: سيكون للبنوك الإسلامية دور فعَّال في تسهيل إدارة حسابات وتقديم أفضل الاستشارات المالية لوكلاء الأوقاف والقائمين عليها وتوفير فرص ذات ربحية جيدة ونسبة مخاطرة مُتدنية، كما على مجلس المحافظين والبنك المركزي إعادة النظر في التشريعات المنظمة لأعمال المصارف الإسلامية لإتاحة مساحة أوسع لتقديم الدعم والشراكة في المشاريع الوطنية والخيرية، وذلك كون التعامل في البنوك الإسلامية مبنياً على المتاجرة المشروعة وليس القرض.

خامسًا: نصت المادة ١٠ من اللائحة التنفيذية لقانون الأوقاف، على أن أموال الوقف تصرف في أوجه منها رواتب الأئمة والمؤذنين ومدرسي القرآن الكريم وعمال النظافة ومن في حكمهم"، ولعل في هذه المادة مخرجًا للحكومة من التكاليف الباهظة التي تنفقها من ميزانيتها في هذه الأوجه. 

وأخيرًا أتمنى أن تُعاد قراءة قانون الأوقاف من أجل إجراء بعض التعديلات الضرورية فيها كاشتراط شرعية الوقف واشتراط إسلامية الوكيل، في حين أنّ هناك الكثير من رجال الأعمال العمانيين والمقيمين هم من غير المُسلمين وقد يرغبون في الدخول وإنشاء المؤسسات الوقفية الخاصة بهم. كما ينبغي أيضاً أن تكون المحكمة المدنية هي المحكمة ذات الاختصاص بالفصل في النزاعات المتعلقة بالأوقاف وليست المحكمة الشرعية. 

هذا وكل التوفيق للمؤسسات الوقفية التي تمَّ اعتمادها والمؤسسات الوقفية القادمة، وشكراً للوزارة والمؤسسات المتعاونة معها في إخراج هذا المشروع، وسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون. 

 

تعليق عبر الفيس بوك