أشاروا إلى أن الأنشطة المدرسية تسهم في تعزيز الانتماء اللغوي

تربويّون يؤكدون أهمية تبني نهج مرن لتنويع مسارات تعليم اللغة العربية وربطها بمشاريع تطبيقية واقعية

 

 

 

 

مسقط- محمد الرواحي

يؤكد عدد من التربويين أن تعليم اللغة العربية في المدارس يشهد اهتمامًا واضحًا في السنوات الأخيرة، مشيرين إلى أهمية تنويع أساليب تدريس اللغة العربية وربطها بالحياة اليومية للطلبة، وتويف التقنيات الحديثة لإحداث نقلة نوعية في تعلم العربية.

ويقول الدكتور سالم بن سعيد الكندي مشرف أول لغة عربية بتعليمية محافظة الداخلية، إن تعليم اللغة العربية في الحقل التربوي يشهد اهتمامًا واضحًا، تجسّد في تطوير مناهج الصفوف من (1–8) بما يواكب معطيات العصر، ويعزّز القيم الثقافية والوطنية والدينية، إلى جانب التوسّع في توظيف الجانب الرقمي، خصوصًا من خلال المناهج الرقمية للصفوف (1–6)، بما ينسجم مع طبيعة الجيل الرقمي، مضيفا أن هذه الجهود تتطلّب كادرًا تعليميًا مؤهلًا وقادرًا على تقديم اللغة العربية وفق أحدث إستراتيجيات التدريس، وهو ما عملت عليه الوزارة عبر برامج تدريبية متخصصة، من بينها برامج خبراء اللغة العربية، وبرنامج المعلمين الجدد، وبرنامج التحدّث بالفصحى، التي أسهمت في تطوير أدوات المعلّم وتعزيز كفاءته المهنية.

الدكتور سالم الكندي.jpeg
 

ويشير الكندي إلى أن تمكين مستقبل لغوي أكثر شمولًا يتطلّب برامج تدريبية حديثة تخرج بالمعلمين من إطار الأساليب التقليدية، وتنقل التركيز من القواعد الجامدة إلى الاستخدام التواصلي للغة عبر مهاراتها الأساسية، مع توظيف الأدوات الرقمية وربط اللغة بالهوية والمعرفة الشاملة داخل المواقف الصفية.

ويضيف أن السياسات التعليمية الحالية تحمل مؤشرات إيجابية ومطمئنة، خاصة فيما يتصل بالتأكيد الرسمي على مكانة اللغة العربية كونها لغة تواصل وهُوية وطنية، وبوصفها أحد مرتكزات الرؤية الوطنية في سلطنة عُمان، الأمر الذي يستدعي الارتقاء بتعليمها وفق أعلى المعايير؛ لبناء جيل قادر على التعبير عن هويته وقيمه بثقة ووعي.

من جهتها، تبيّن إيمان بنت سالم المعمرية، معلمة لغة عربية بمدرسة صعراء للتعليم الأساسي بتعليمية محافظة البريمي، أن شعار "مسارات مبتكرة للغة العربية: سياسات وممارسات لمستقبل لغوي أكثر شمولًا" يعكس وعيًا عميقًا بالتحديات التي تواجه تعليم اللغة العربية في المرحلة الراهنة، ويؤكد أن تطوير هذا التعليم لم يعد مسؤولية الصف وحده، بل هو نتاج تكامل بين السياسات التعليمية والممارسات الصفية، في ظل تنوع خلفيات المتعلمين وتفاوت مستوياتهم وتأثير التحول الرقمي، مما يجعل الابتكار ضرورة ملحّة.

إيمان المعمرية.jpeg
 

وتوضح أن من أنجح الأساليب التدريسية توظيف التعلم القائم على المشروع، وإشراك الطلبة في إنتاج محتوى لغوي مرتبط بواقعهم، إلى جانب الاستفادة من التقنيات الرقمية ومنصات القراءة التفاعلية، وربط اللغة العربية بمواد أخرى وتنويع النصوص، بما يعزز الدافعية ويجعل التعلم أكثر حيوية وواقعية.

وتلفت إلى أن تحقيق تعلم لغوي شامل يواجه جملة من التحديات، من أبرزها تفاوت المستويات اللغوية داخل الصف الواحد، وضعف دافعية بعض الطلبة، وضيق الوقت وكثافة المحتوى الدراسي، إضافة إلى محدودية الموارد أو التدريب المتخصص أحيانًا، وأن تجاوز هذه المعوقات ممكن عن طريق التخطيط المرن، والدعم المؤسسي، والتطوير المهني المستمر للمعلمين.

ويؤكد يوسف بن سعيد الكلباني، مدير مدرسة هاط للتعليم الأساسي (1–12) بتعليمية محافظة جنوب الباطنة، أن المدرسة تضطلع بدور محوري في خلق بيئة داعمة للغة العربية بوصفها هوية وثقافة ولغة قرآن قبل أن تكون مادة دراسية، وذلك عبر اعتمادها لغةً أساسية للتواصل اليومي داخل الحصص الدراسية، وتعزيز حضورها في الإذاعة المدرسية واللوحات الإرشادية والفعاليات المختلفة، مبينا أن تنويع أساليب تدريس اللغة العربية وربطها بالحياة اليومية للطلبة، وتشجيع القراءة الحرة، وتنمية مهارات التعبير الشفهي والكتابي، يجعل اللغة أداة تواصل حيّة.

يوسف الكلباني.jpeg
 

ويبيّن الكلباني أن الأنشطة المدرسية تسهم إسهامًا فاعلًا في تعزيز الانتماء اللغوي لدى الطلبة عن طريق المسابقات الثقافية، والمسرح المدرسي، والمناظرات، والإلقاء، والكتابة الإبداعية، إضافة إلى المبادرات والبرامج القرائية والمسابقات الأدبية التي تعزز الاعتزاز باللغة عندما تقترن بالإنجاز والتميّز.

ويتابع قائلا إن تحقيق "مستقبل لغوي أكثر شمولًا" يتطلب رؤية تربوية متكاملة تقوم على تطوير كفايات المعلمين، وتوظيف التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي لخدمة اللغة العربية دون المساس بأصالتها، ودمجها في مختلف المواد والأنشطة، وتعزيز الشراكة مع الأسرة والمجتمع.

وتوضح مريم بنت محمد البحرية، مديرة مدرسة نجية بنت عامر بتعليمية محافظة مسقط، أن دعم المبادرات المبتكرة في تعليم اللغة العربية يتطلب قيادة مدرسية تتمتع برؤية واضحة وبيئة محفّزة، إضافة إلى ممارسات عملية مستدامة، بحيث يُربط تعليم اللغة بالهوية ومهارات المستقبل ضمن الأهداف الإستراتيجية للمدرسة، مشددة على أهمية تدريب الهيئات التعليمية على دمج تطبيقات الذكاء الاصطناعي مع المادة وتحويل تعليم العربية إلى تعليم رقمي تفاعلي، مع تحفيز المبادرات ومشاركتها داخل المدرسة وخارجها.

وتؤكد البحرية: أن المدارس تمتلك فرصًا كبيرة لتعزيز جودة تعليم اللغة العربية عن طريق ربط المحتوى الدراسي بحياة الطلبة اليومية، وتطوير أساليب التقويم لتشمل الأداء اللغوي بجانب المعرفة النحوية، ويمكن توسيع استخدام أدوات قياس مهارات الاستماع والتحدث، وزيادة توفر المواد الرقمية العربية عالية الجودة، بما يسمح للطلبة بالتفاعل مع التقنية بشكل فعّال، إضافة إلى ذلك، يتيح تعزيز الوعي لدى الأسر بأهمية المحافظة على اللغة والهوية دعمًا للبيئة المنزلية، فرصة لتحفيز الطلبة على ممارسة مهارات التحدث باللغة العربية بشكل مستمر.

مريم البحرية_1.jpeg
 

ويرى عيسى بن جابر الزعابي، معلم لغة عربية بمدرسة كعب بن مالك للتعليم الأساسي بتعليمية محافظة شمال الباطنة، أن جعل اللغة العربية أكثر جاذبية للطلبة يبدأ بتحريرها من الجمود وتحويلها إلى تجربة حيّة داخل الفصل، عن طريق المسرح اللغوي، والألعاب التفاعلية، وربط الدروس باهتمامات الطلبة اليومية بأسلوب عربي أصيل، مؤكدا أن العربية حين تصبح مساحة للإبداع، يكتب فيها الطالب قصة، أو ينتج فيلمًا قصيرًا، أو يناقش قضاياه بلغة فصيحة، تتحول من مادة دراسية إلى أداة للتعبير عن الذات والهوية.

عيسى الزعابي.jpeg
 

ويقترح تبني نهج مرن يقوم على تنويع مسارات تعليم العربية وفق ميول الطلبة، وربطها بمشاريع تطبيقية واقعية، وتطوير أساليب تقييم تركز على الإنتاج اللغوي الإبداعي، بما يعزز حضور اللغة العربية كونها لغة حياة وهُوية في المدرسة والمجتمع.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة

z