هل نحن جاهزون؟!

عبد الله العجمي

يا تُرى.. هل أعدّت حكوماتنا العربية والإسلامية خُططها لما ستكون عليه الحياةُ على هذا الكوكب بعد 30 سنة؟!

هل تُدرك هذه الحكومات أنَّ ما كُنَّا نشاهده في أفلام الخيال العلمي سيُصبح واقعاً نعيشه شئنا ذلك أم أبينا.. تكفينا نظرة واحدة نُلقيها على التطور الهائل في التَّقنية خلال العقدين الماضيين لنعلم أنَّ القادم سيكون كارثياً إن لم نتهيّأ له، فما كُنَّا نعتبره خيالاً علمياً في منتصف الثمانينات؛ أصبح واقعاً نعيشه في يومنا هذا..

يقول دانيال فرانكلين رئيس تحرير مجلة إكونوميست البريطانية في كتابه الأخير بهذا الشأن والذي استند في رؤيته إلى مقابلات مكثّفة مع عُلماء بارزين وقادة صناعيين وأكاديميين: ستغزو الروبوتات حياتنا، وستتطور برمجياتها لتكون أكثر وعياً وإدراكاً لمُتطلبات حياتنا لتعيش بيننا كفرد من أفراد أسرنا تُساعدنا في التنظيف والطبخ بل وحتى في تربية أطفالنا في بيوتنا المُستقبلية التي ستكون مبنيّة طبعاً بطابعات ذات أبعاد ثلاثية تتضمن "إنترنت الأشياء" الذي به سيُتحكم بكل مافي البيت..

ويُشير إلى أنّ من أخطر ما يُمكن حدوثه هو أنَّ الخصوصية الشخصية ستتلاشى تدريجياً.. فالتكنولوجيا القادمة ستخترق كل الحُجُب لتوفّر قدراً كبيراً من الشفافية بين الشعوب وحكوماتها، ستُخترع أجهزة محمولة على شكل رقائق سيتم دمجها في جسم الإنسان كبديل للهواتف النَّقالة وستكون أكثر قدرة على المراقبة من قبل الحكومات وأجهزة المُخابرات.. حتى أدمغتنا سيتمكنون من اختراقها لمعرفة ما نخطط له وننوي فعله!!.. وستختفي الكاميرات وأجهزة المُراقبة المنتشرة في كل مكان حولنا ليحلّ محلها كاميرات مُتناهية الصغر لا تُرى بالعين وتلتقط ما لا تلتقطه العين الآدمية.. فلن يكون هنالك أسرار حينها..

انحسار الخصوصية ربما سيدفع الكثير من سُكان هذا الكوكب لمُغادرته؛ والهجرة إلى كواكب أخرى سيتم إعدادها لتكون مواطن بديلة عن هذا الكوكب.. ومن المُتوقع أن يتم البدء بتسيير الرحلات إلى كوكب المريخ عام 2030 حسب توقعات وكالة ناسا الفضائية..

أما على مستوى تطور الطب تكنولوجياً فها هو الطب الحديث أصبح يقوم بإجراء عملياته الجراحية عن بُعد بينما كان هذا الأمر يُعتبر من نسج الخيال بداية الثمانينات.. لذا فإنَّ استشراف مُستقبل الطب خلُصَ إلى أنَّه سيشهد تطوراً هائلاً جداً.. حيث سيتمكَّن الطبيب من تشخيص حالتك وقراءة المُؤشرات الحيوية التي سيحتاجها عن طريق نفس الشريحة التي ستزرع في جسمك والتي ذكرناها آنفاً.. أما بخصوص الأطراف الصناعية فستكون متوفرة ليس فقط للمُصابين وفاقدي الأطراف بل حتى للأصحاء إذ سيُصبح الطرف الصناعي أذكى وأدق من الأطراف الطبيعية وسيلجأ لها كل من يُريد إتقان حرفة تحتاج إلى مهارة لا يمتلكها وسيتمكن مُستخدمها من فعل أشياء لم يكن يحلم بها..

هناك الكثير ممن لم يكتفِ بالتحذير من خطر التَّقدُّم المتسارع وغير المقنّن للتقنية منهم "إلون ماسك" مؤسس شركة تيسلا الأمريكية والذي يعتقد أنَّ الذكاء الصناعي سيصل لمرحلة يتفوّق علينا بل وسيتحكّم بنا.. وهو الآن عاكف على مشروع "الرباط العصبي " وهدفه دمج الذكاء الصناعي بالعقل البشري.. هناك مشروع محلّي آخر للباحث الطموح طلال الخنبشي والذي يعكف حالياً على مشروع أطلق عليه "نظرية السحابة الحسّية" ويقول بإمكانية نقل الرائحة والإحساس من مكانك الذي أنت فيه إلى أيّ مكان في العالم عبر الشبكة..

ولعلَ أكثر ما دعاني إلى كتابة هذا المقال هو الحراك النّشِط الذي قام به طلبة مادة الحكومة الإلكترونية في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة السلطان قابوس بإشراف د. حافظ الشحي حيث كان نشاطهم الاستشرافي على مرحلتين إذ قاموا في مرحلتهم الأولى باستشراف المُستقبل عبر إطلاق وسم بهذا الشأن حقق مشاركات عالية جداً صعدت به إلى صدارة قائمة الوسوم في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" فحسب تغريدات د. حافظ فإنَّ الأفكار التي طرحت في التغريدات تحت هذا الوسم مُتطابقة في الغالب مع ما أشارت إليه أغلب التَّقارير الصادرة من هيئات ومُنظمات عدة استشرفت المُستقبل على هذا الكوكب شد انتباهي إحدى التغريدات التي تحدثت عن اختفاء الوزارات في المُستقبل واستبدالها بمبنى للبيانات يتبع للحكومة الإلكترونية..

أما مرحلتهم التالية فهي قيام هذه المجموعات بزيارات للمؤسسات الحكومية والخاصة للالتقاء بقيادييها للتعرف على خطط التحوّل الإلكتروني لديها في محاولة لاستشراف المستقبل في السلطنة ومدى جاهزية هذه الوزارات والهيئات والشركات لتواكب هذا التغيير..

ما ذكرناه هو غيض من فيض.. وما هو إلا باكورة إنذار لحكوماتنا العربية والإسلامية لأخذ الأمر على محمل الجدّ والإسراع في تبني مشاريع التحوّل الإلكتروني لمواكبة هكذا تطورات بدءاً من رقمنة الحكومات..

إنَّ هكذا استشراف للمُستقبل يجعل الحياة ذات توازن لأنَّ توقع أحوال المستقبل يندرج تحت خيمة ثقافة اليقظة فهو ينمّي التفاعل المحفّز لهذا التحوّل.. فهل سنكون حينها جاهزين لهذا التغيير؟!..

رئيس لجنة الثقافة والتعليم بالاتحاد العربي الأفريقي للإعلام الرقمي