تأهيل المُتطرِّفين وإرجاعهم إلى حضن الأوطان

د. يحيى أبو زكريا
ابتلي الشباب العربي والإسلامي المنتمي إلى ثقافة التكفير وإقصاء الآخر بقلة الثقافة الإسلامية ومحدودية الاستدلال الفقهي والشمولية العلمية في معرفة تفاصيل الشريعة الإسلامية ومقاصدها، والكثير منهم دفعه القلب لا العقل إلا التعاطي مع الإسلام بحماس وانفعال وعاطفة جياشة واتباع مطلق للغلاة والمتطرفين من الدعاة، ولذلك كان هذا الشباب ضحية للتحريض باسم الدين وبات معظمهم أتباع أشرطة الغلاة حتى أصبحوا يعرفون بثقافة الأشرطة، ولدى أول احتكاك أمني حمل هؤلاء السلاح بداعي إقامة دولة الإسلام.
وعندما أعتقل الآلاف من هؤلاء لم تلجأ الدول إلى برامج فكرية وتعيين دعاة متمكنين في لغة الاحتجاج وإقامة البرهان على خطأ ما ذهبوا إليه، تعرضوا للتعذيب والقمع والضرب دون معالجة فكرية في الصميم تعيد هؤلاء إلى جادة الطريق. والمطلوب تأهيل هؤلاء فكريا لأنّ الكثير من المضللين لديهم القابلية للعودة إلى كنف الدولة والمجتمع.
هي فكرة برسم بعض الدول العربية لتحويل السجون إلى جامعات وليس وكرا جديدا للإرهاب والتفنن فيه، ولا يمكننا أن ننهي الإرهاب بقتل الإرهابي وإيداعه السجن وكفى؛ حيث يزداد حقدا على الدولة والمجتمع، بل يجب تحويل السجون إلى معاهد للمراجعات والنقاشات لحمل هؤلاء المضللين على العودة إلى حضارية الإسلام واعتداله وبالتالي يكونون عونا للدولة والمجتمع.
وقبل الشروع في هذه الخطوة يجب تحسين السجون لتهيئة الأجواء النفسية والسيكولوجية لمثل هذه المراجعات والتخلي عن الأساليب البدائية حتى لا نؤكد للتكفيري أن السلطة غاشمة وظالمة وبالتالي الحرب عليها مشروع بمنطوق الإسلام ومدلوله في ضرورة محاربة الظلم؛ ففي ماليزيا أسندت مهمّة إعادة السجناء المتطرفين إلى طريق الصواب إلى مؤسسة حكومية هي قطاع التنمية الإسلامية، وفي سنغافورة تأسست مجموعة إعادة التأهيل الديني التي نجحت في إقناع آلاف المسلمين بالعدول عن الإرهاب، وتجربة المراجعات في الجزائر ومصر آتت أكلها، وتجربة المصالحات في سورية ما زالت قائمة على قدم وساق، وهناك تجارب أخرى لمّا تتكامل في دول عربية وإسلامية.
فهل يمكن للجهود أن تتضافر من أجل إنهاء حالة الغلو في الدين واستخدام الإسلام في المعارك الخاسرة والمجانية التي فجّرت الأمن القومي العربي والإسلامي، ويجب أن نعمل على نشر ثقافة الحب.
بالحب لا بالسيف تغيّر وجه العالم نحو الأحسن.. بالحب يستطيع الزوج أن يغير زوجته.. وبالحب تستطيع الزوجة أن تغير زوجها.. وبالحب يستطيع الوالدان أن يغيّرا أبناءهما.. وبالحب يستطيع الأبناء أن يغيروا والديهم.. وبالحب تنشر دعوة الإسلام.. وبالحب تهدي الناس إلى الطريق القويم.. وبالحب تنتصر وجهة نظرك إذا كانت صائبة..
بالحب تعبد الله وتعشقه..
بالحب تُغيّر وجه الإنسانية والتاريخ.