"العبّارة".. هل كانت مجرد صرخة؟!

د.عبدالله باحجاج
ليس لدينا شك، أنّ مقالنا المعنون باسم: "الحلانيات.. من المسؤول عنها؟"، قد وصل إلى كل مسؤول معني به، لكن، أين النتائج؟ حالنا يبدو أننا قد صرخنا في واد سيحق، فلا تزال العبارة لم ترجع للحلانيات من حيث رحلت، أو تبادر الجهات المسؤولة إلى شراء عبارة جديدة رأفة بالمواطنين، رغم أنّ الحكومة قد قامت ببناء مرفأ جديد للعبارة، فإلى متى سيظل المرفأ الجديد في الحلانيات ينتظر العبّارة؟ ربما عندما تأتي العبارة، تظهر مشكلة إعادة صيانة المرفأ، وتأهليه من جديد، لعدم استخدامه فترة من الزمن، وهذا سيستلزم موازنة جديدة، فلماذا لم ترجع العبارة حتى الآن؟
بعد ذلك المقال، ولقاؤنا الإذاعي في اليوم نفس مع إذاعة (هلا إف إم) حول الموضوع نفسه، ظهرت أصوات رسمية توضح لنا وجود تعليم ثانوي، لكنها تعترف بعدم وجود مركز للامتحانات في الحلانيات، مما يضطر طلبة دبلوم التعليم العام (الثانوية العامة سابقا) إلى الذهاب إلى البر في مركز الولاية لتأدية الامتحانات، فبدون العبارة، كيف سيكون ركوب البحر أمانا للطلبة لتأدية الامتحانات؟ وحتى في أيام الاستحقاقات الانتخابية يتم نقل من يحق لهم الانتخاب إلى مركز الولاية، لعدم وجود مراكز انتخابية فيها، إذن، العبّارة، وسيلة مركزية تتوقف عليها الحياة في جزر الحلانيات، فيا مكتب وزير الدولة ومحافظ ظفار، ويا وزارت النقل والمواصلات والسياحة.. متى سترجع عبارة الحلانيات؟ فحل كل مشاكل هذه الحلانيات تتوقف على العبارة نفسها، المواطنون هناك يعانون يوميا، وكذلك الجهات الحكومية الأخرى، لصعوبة تواصل وتوصيل خدماتها إلى الجزر، هل هناك من يدفع بديموغرافية الحلانيات إلى هجرة الجزر أو تهجيرها، بالتأكيد لن يكون وراءها سياسة حكومية، فالأوامر السامية بمشاريع تنموية للحلانيات – أشرنا لها في المقال السابق – أكبر استدلال يعكس لنا سياسة تثبيت الديموغرافيات في أماكنها، ولنا في توصيل كل الخدمات التنموية الأساسية إلى مناطق جبلية وصحراوية منعزلة وبعيدة، لمجرد أن فيها كتلا بشرية صغيرة، هي سياسية الدولة الثابتة، والمعيار الذي نحكم به على الصواب والخطأ، وتأخير وصول العبارة، وتردي الأوضاع السكانية في الحلانيات، يدفع بالمواطنين الى النزوح الى صلالة أو الشويمية، ولنا تصور الحالات المرضية.. كيف يتم نقلها إلى مستشفى السلطان قابوس بصلالة دون عبارة؟ وسيلتهم الطائرة العمودية، وهي غير كافية، وغير مضمونة لكل طالبيها في الوقت المناسب، وذلك للضغوطات عليها، تأتي مرة أو مرتين في الأسبوع، وكل الجهات الحكومية تقصدها لأنّها وسيلتهم الوحيدة، وهنا ندعوكم لفتح الآفاق لمرضى الحلانيات، إذا تمّ نقلهم إلى المستشفى في صلالة، فلن يتمكنوا من العودة للحلانيات أقل من نصف شهر، لضغوطات الطائرة، ولجدولة مواعيد مقابلتهم من الاستشاريين... إلخ لذلك، يفضل البعض المكوث في صلالة، ولنا أيضا تصور في المدة الزمنية الطويلة التي يغيب فيها المعلم لدواعي العلاج.. تتعطل الدراسة حتى يرجع، ومتى يرجع؟ إذا توفرت له أمكانية الطائرة العمودية.
سلبية التعاطي مع قضية العبارة، تجعلنا نركز هنا على العامل الذي ينتج مثل هذه القضايا، وما دام هذا العامل مستمرا سوف تظل مثل تلك القضايا مستمرة، بل وفي إنتاج قضايا أخرى، وهذا هو الأهم هنا، وهو جوهر المشكلة الأساسي، وهذا العامل يكمن في البعد الإداري للجزر، وفي اعتقادنا أن الحلانيات بجرزها الخمس لم تمكن من وضعية إدارية تتناسب جغرافيّتها التي تجنح نحو البحر بصورة مطلقة على حساب اليابسة، حيث يحيط بها مياه البحر من كل الجهات الأربع، وتبعد عن حاسك (80كم) وعن الشويمية (50 كلم) كما لا يرتقي وضعها الإداري الحالي إلى مستوى قيمتها الاستراتيجية الفائقة – كما ذكرنا في اللقاء الاذاعي - فلو فتحناها من المنظورين التاريخي والمعاصر، فسوف يدلل ذلك على أهمية رفع المستوى الإداري لها، حيث هي الآن في وضعية نيابة تابعة لولاية، يفصلها البحر، ويبعدها عن امتدادها الإداري - النيابة – تلكم المسافة البعيدة نسبيا، وهذا يفقدها ديناميكية ومرونة التواصل الطبيعي مع محيطها الجهوي والمحلي، ويجعلها كذلك تغرق في البيروقراطية، ولمنطق توزيع الحصص والخدمات التنموية والاستحقاقية، فمثلا، لا يوجد للحلانيات الآن أيّة صفة تمثيلية في منظومة الخدمات الجهوية للولاية والمحلية في محافظة ظفار، فلا تمثيل لها في المجلس البلدي في ظفار - المنتخب - ولا تمثيل لها في لجنة الشؤون المحلية التابعة للولاية - المعينة - على اعتبار أنّها قد أخذت حصتها سابقا، من هنا، تكمن الأهمية في رفع المستوى الإداري للحلانيات، ولكونها كذلك، جزر آهلة وغير آهلة بالسكان، تقبع في بحر العرب، ولها مستقبل سياحي واعد، يمكن لبلادنا أن تعتمد عليها كثيرًا في صناعة إيرادات مالية مستدامة، بل إنّ المنطقة كلها من ولايتي شليم وجزر الحلانيات وحاسك وسدح وحدبين، الواقعات على بحر العرب، تشكل مزارات سياحية، لو استغلت فعلا، لاستفادت منها خزينة الدولة والمواطنين معا، خاصة وأنّ ولاية شليم وجزر الحلانيات تجمع ما بين البيئات الثلاثة: البيئة الصحراوية التي تحتل المساحة الأكبر من الولاية وتوجد بها حقول النفط حيث تختزن هذه البيئة كميات هائلة من مخزون سلطنة عمان النفطي وتقدر بمليارات البراميل، كما توجد البيئة الساحلية المطلة على بحر العرب على طول أكثر من (300 ) كلم، ويتميز هذا الساحل بوجود مساحات شاسعة من الشواطئ الرملية الناعمة، والتي يمكن استغلالها لأغراض سياحية ومن مميزات هذا الساحل كذلك، تواجد كمياّت كبيرة من الثروة البحرية كالأسماك والشارخة والصفيلح النادر.. فمتى ستتحرك تلكم الجهات الحكومية لتأمين العبارة للحلانيات؟ وهل تنتظر توجيهات عليا؟