د. عبدالله باحجاج
طلب مني بعض الأصدقاء بإلحاحٍ إبداء الرأي في الجدال الذي تفجَّر بين القوائم المُتنافسة لانتخابات مجلس إدارة جمعية الصحفيين الجديد المقررة يوم الأربعاء، وهذا الجدال مرده الفراغ القانوني المنظم للاستحقاقات الانتخابية؛ بمعنى آخر، أن التطورات والوعي النخبوي وصراعاته كانت أعلى من القانون المُنظم للجمعية.
هذا شأن كل جمعيات مؤسسات المجتمع المدني، أي ليس حصريًا على جمعية الصحفيين، وبالتالي، فهذه رسالة قد وصلت دون شك إلى الجهات الحكومية المعنية بهذا المسار المُهم؛ لأنَّ الإشكاليات هنا لا تنحصر في غياب المواد القانونية المنظمة لسير الانتخابات وضمانة نزاهتها فحسب، وإنما لعدم وجود إدارة قانونية ضامنة لعدم الاختراقات الخارجية.
وبما أننا الآن في لحظات ما قبل الانتخابات، فإنَّ الحديث المفيد ينصب حول المطالبة بأهمية الإسراع بتحديث التشريعات والقوانين الحاكمة لمؤسسات المجتمع المدني في بلادنا، فانتخابات بقية المؤسسات مثل جمعيات المرأة العُمانية، قادمة، وقد أصبحت هذه المؤسسات أهم شركاء الحكومة، وتعد جمعية الصحفيين بمقدمة المؤسسات المُهمة، ويُعوَّل عليها أدوار متعددة وطنية بامتياز، ومهنية بامتياز، داخلية وخارجية، وتتعاظم الآن أكثر من أي وقت مضى، وسيزداد هذا التعاظم مستقبلا، وهناك اجندات لا يمكن القيام بها إلا هي فقط.
الكلام المفيد في هذه اللحظات الان، يقتضي التذكير بأن جمعية الصحفيين التي هي بيت الإعلاميين والصحفيين، وهم أصحاب فكر ومن بين القادة المؤثرين لصناعة الرأي، وبالتالي، كيف سيُقدِّمون تنافسهم الانتخابي للرأي العام الوطني أولًا والخارجي ثانيًا؟ وكيف سيعكسون ممارستهم الانتخابية أثناء الانتخابات وبعدها؟ ما سيقدمونه ستتأثر به مرحلتنا الوطنية، ومن ثم نتوقع منهم أن يعكسوا نضوج المسار الديمقراطي في بلادنا، ويقودوه قُدمًا مهما كانت ملاحظاتهم الإجرائية، فلنا تجربة طويلة نسبيا مع صناديق الانتخابات الحرة، ونتطلع منهم أن يثروا ويرسخوا الممارسة الواعية من جهة واختيار القائمة الأنسب من الثلاث قوائم المتنافسة للمرحلة الوطنية الجديدة.
أيها الزملاء الصحفيون والإعلاميون.. الدولة بكل مكوناتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والثقافية، تتابع تجربتكم الانتخابية الجديدة بعد التجاذبات التي شهدتها ساحتكم الصحفية والإعلامية، فماذا ستقدمون لهم من رسائل واعية متجردة؟ وكيف ستضيفون إلى التجربة الديمقراطية في بلادنا من مفاصل النزاهة والتجرد في الممارسة الملتزمة باختيار الأنسب للمرحلة بصرف النظر عن الشخوص؟
نقول هنا القول الأنسب للمرحلة، وليس الأنسب بين الشخوص؛ فالمرحلة مليئة بالتحديات الجسام، لذلك تحتاج لمُدبِّرين ومُسيِّرين ومُؤطِّرين في مستوى تحدياتها وتقلباتها، وكلها ستصيغ المرحلة الدائمة.
كلنا نعلم كذلك أن جمعية الصحفيين هى إحدى أدوات الدولة العُمانية كشريك مستقل للحكومة، لكنها متناغمة مع خططها وأهدافها الوطنية، ومتناغمة مع إكراهاتها المستجدة، وتأثيرها الإيجابي سيكون الأنجع من غيرها في قضايا محددة على وجه التحديد؛ فهناك من يحاول الإساءة للدولة وبالذات المجتمع بهدف المساس بتماسكه وثوابته وهويته، فصوتها سيكون مسموعًا ومؤثرًا، لأنها مؤسسة مدنية، ولأنها تضم أصحاب فكر ومهنة في آنٍ واحدٍ.
كلنا نعلم كذلك أن العالم يعيش في فوضى الزمان والمكان مع القيم والأخلاق، وكبار فاعليه يمارسون الضغوطات التحتية والفوقية على الأنظمة للانفتاح غير المدروس، وهى- أي الجمعية- ستكون خط الدفاع الاول عن الهوية العُمانية المجمع عليها سياسيًا واجتماعيًا.
ونعلم كذلك أن الصحافة العُمانية في أمسِّ الحاجة إلى الاحترافية عبر تأهيل الجيل الممارس الحالي، وتكوين جيل جديد بكفاءة مهنية عالية، فنهضتنا المتجددة طموحاتها المستقبلية كبيرة وضخمة لذلك فهي تحتاج للمهنيين الراصدين لتطوراتها الإيجابية، والكاشفين للمسارات التي يحتاج إلى تصحيحها عاجلًا حتى لا تتراكم سلبياتها.. فمفهوم الحرية الصحفية هنا ينبغي أن يتسع في مجال التأكد من تطبيق الخطط والسياسات ومآلاتها أولًا بأول.
نعلم كذلك أن الحرية الصحفية المُلتزمة قد تواجه تحديات كبيرة حتى على صعيد تلكم الممارسة الملتزمة، ويحتاج ممارسوها لمن يقف مع معهم في أسوأ الاحتمالات، ويدافع عن حقوقهم حتى نضمن استقلالهم المهني، وتأدية رسالتهم الوطنية في مختلف الظروف، ودون ذلك، فسيكون الصحفي/ الإعلامي دون ضمانات، وبالتالي بسهولة كبيرة التأثير عليه واستقطابه داخليًا أو خارجيًا أو ابتعاده عن مهنة المتاعب، وفي تجربتنا العربية كم صحفي واعلامي أبتعد عن مهنته لكثرة الضغوطات.
وكذلك نعلم أننا نحتاج لفاعلين يمثلون جمعية الصحفيين العُمانية في المؤسسات والمنظمات الإقليمية والعالمية كالاتحاد العام للصحفيين العرب، والاتحاد الدولي للصحفيين. ونعلم كذلك أننا نحتاج لفاعلين مستقلين يتماهون بتفاعلية تلقائية وذكية مع السياسة الخارجية العُمانية التي تنتصر للحقوق الإنسانية ومبادي العدالة الدولية، وتكاد تكون هي الوحيدة إقليميا وعالميا.. لذلك نحتاج لمن يتماهى معها كمعبرين ومفكرين في وسائل الاتصال الإقليمية والعالمية، وصناعتهم كنخب على الصعيدين الإقليمي والدولي.
كلنا نعلم كذلك أن مجلس إدارة جمعية الصحفيين الجديد ينتظره إبداء الرأي في مشروع قانون الإعلام الجديد، وهو الآن في طور المناقشات الدستورية لمجلس عُمان بجناحيه: الشورى والدولة، فينبغي أن يدلي برأيه المهني في مواده المختلفة بحكم أنه شريك أساسي، والقانون يعنيه مباشرة، وسيكون المرجعية للعمل الصحفي والإعلامي. لذلك.. فالجمعية لا ينبغي أن تَغِيْب ولا أن تُغيِّب عن مناقشات مشروع هذا القانون قبل اعتماده من لدن عاهل البلاد- حفظه الله- ولا ينبغي الاكتفاء بشراكة بعض الفاعلين في المؤسسات الاذاعية الخاصة، كما فعلت اللجنة الإعلامية في مجلس الشورى.
وكلنا نعلم أخيرًا، أن طبيعة مرحلتنا الوطنية وتحدياتها الإقليمية والدولية تستوجب أن يكون كل الصحفيين والإعلاميين أو معظمهم في بيت الصحفيين والإعلاميين كمظلة وطنية وقانونية وسياسية للدواعي سالفة الذكر، وتستوجب الجمعية حملهم على توقيع ميثاق شرف مهنة الصحافة، وهو يعد كبرى الضمانات العصرية للحقوق والواجبات، فمهنة الصحافة ليس أمامها من خيار أمن سوى الطيران بهذه الجناحين "الحقوق والواجبات"، وقوة الشرف المهني أقوى من قوة الالتزام القانوني، فهي تخاطب الضمائر، وكلما تم الإعلاء من شأنها، كلما شهدنا التزامًا مثاليًا بالقوانين، وهذه الثنائية ينبغي أن تتلازم معاً في الحقبة المقبلة.
وآخر التساؤلات المُفيدة في اللحظات ما قبل الأخيرة، وهو المستهدف من هذا المقال، هو، من نجد في القوائم الثلاثة المتنافسة لمجلس إدارة جمعية الصحفيين الجديد الأنسب لمرحلة بتلكم الحمولات الوطنية والمهنية الكبرى؛ الداخلية والخارجية؟ وهذا التساؤل ينتج عنه تساؤل فرعي مُهم، وهو: هل رهاناتنا على التجرُّد والنزاهة خلال هذه اللحظات ستلقى آذانًا مؤثرة على الخيارات المسبقة أم أنها أصبحت جامدة؟ وهل بقناعة أم لاعتبارات خاصة؟ وهذا تساؤل فرعي آخر.
نتمنى لهذا المقال النفاذ لقناعات شركاء صناع الرأي "الصحفيين والإعلاميين"، ومثلما نقول دائمًا في الانتخابات الأخرى في البلاد؛ سواء لمجلس الشورى أو المجالس البلدية: "صُوتكم أمانة".