الاقتصاد العماني .. بين العصا والجزرة (2 -4)

 

 

حمود بن علي الطوقي

الانكماش الاقتصادي

في ظل اعتماد السلطنة على النَّفط، باعتباره المصدر الأساسي الذي تُمثل تدفقاته عمودًا فقريًا لصناعة التنمية المحلية، فقد شكل هبوطه منذ ثلاثة أعوام. تداعيات نشأت عنها فجوة كبيرة، انعكست أبعادها على تفاصيل الحياة الاقتصادية والاجتماعية في السلطنة، مما نشأ عنه ما يُمكن أن نطلق عليه مصطلح الانكماش الاقتصادي والذي أصبح واضحاً للعيان، فأصبحت العجلة تدور ببطء مخلفة وراءها تأثيرات طالت مُختلف الطبقات الاجتماعية الميسورة والمُتوسطة وذات الدخل المحدود وأسر الضمان الاجتماعي، وانعكست آثاره الاقتصادية على مُختلف مفاصل الحياة اليومية فتأثرت الشركات بمختلف أحجامها الكبيرة منها والعائلية وحتى تلك الشركات التي تندرج تحت عباءة الحكومة وأيضًا الصغيرة والمتوسطة، التي أُريد لها أن تكون ساندا وآزرا وشادا على يد الحكومة في المُضي بعجلة التنمية نحو مُختلف التفاصيل.

 

خلال قراءتنا لأسباب هذا الانكماش نُدرك أنَّه من الضروري أن نؤمن بأنَّ القطاع الخاص الذي أريد له أن يكون شريكًا إستراتيجيا للحكومة يحتاج إلى أن تسند إليه المناقصات الحكومية، بغض النظر عن قيمها المالية، وفي الوقت ذاته فإنَّ القطاع الخاص مطلوب منه أن يكون أكثر ابتكارا في طرح المشاريع ذات القيمة المُضافة وبأسلوب ابتكاري غير تقليدي، ولكن في ظل تقلص التدفقات النقدية، ونقصان الوفورات المالية في الحكومة، وتوقف العديد من المشاريع دون اكتمالها، فهذه الحالة الانكماشية أصابت القطاع الخاص بموت بطيء وانعكس هذا على دوره الضخم المأمول، فصارت الشركات، بالكاد تجد قوت شهرها، لكي تدفع التزاماتها من الرواتب والمصروفات الرئيسية، وفي الوقت ذاته، قامت شركات أخرى بالانسحاب، مما أوقع الضرر على من ينتمون وينتمين إلى تلك الشركات.

 

غياب الرؤية الجاذبة للاستثمار وسيطرة الشركات بعينها على المُناقصات، واستمرار البيروقراطية في بعض المؤسسات أدى إلى تراجع ملموس في عجلة الأداء بالقطاع الخاص.

 

والسؤال المطروح هل هذا الوضع سيستمر أم أنَّ هناك حلولا فعلية أتى بها برنامج "تنفيذ" وما زالت قراراته حبيسة الأدراج لم تر النور حتى هذه اللحظة .

 

 

كما أنَّ وجود جهة وسطية بين ما يقترحه القطاع الخاص للتعامل مع الأزمات من ناحية، وما يُمكن أن تتعامل معه الحكومة لكي تستمر عجلة العمل بين القطاعين، من شأنه أن يُعزز الدافعية والتفهم للتحولات المختلفة التي تفترضها الظروف العالمية المؤثرة على الاقتصادات المحلية.

 

 نجزم يقيناً بأنَّ هناك سلوكيات في مراحل سابقة، بعضها مُتَّصل بالعقبات البيروقراطية الإدارية، التي يمكن أن نطلق عليها "الفساد الإداري" كونه متصل بالمصالح التي تزكي فقط، ولا تأخذ الجودة مقياسًا ومعيارًا، وهذا نشأ عنه تأثير سلبي على متانة الاقتصاد وسياقاته التي من الضروري أن تكون مُستعدة للتعامل مع أي أزمة تنشأ، فضلاً عن الاعتماد المُباشر من جانب القطاع الخاص على القطاع الحكومي، الذي يفتقد خططه واستقلاليته والتزامه بالتنافسية البينية في القطاع ذاته.

بات الضروري الآن، أن تنشأ صلة مُباشرة بين الحكومة، مُمثلة في جهاتها ومؤسساتها من ناحية، وبين القطاع الخاص من ناحية أخرى، وذلك بأن يتم تعزيز العلاقة مع الراغبين في التعامل مع القطاعات الحكومية، وبخاصة الترويجية والخدمية منها، مثل القطاع السياحي، الذي يعتبر أرضاً خصبة للابتكار والتوظيف الترويجي السياحي بشكل كبير، وبسبب غياب العلاقة التكاملية، صار الدخل السياحي في الناتج القومي ضعيفاً جداً، مقارنة بالمقومات على أرض الواقع.

أخيراً يمكن أن نختم هذا المقال مؤكدين على أهمية تفعيل مستوى الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص، وهناك حاجة ملحة وضرورية تتمثل في مراجعة القوانين، لمواكبتها مع الوقت، وجعلها قادرة على استشراف المستقبل، هذا المطلب الذي ينشده الجميع فمتى تحقق فحتمًا سيتلاشى الانكماش الاقتصادي وتتفتح زهور التنمية لتفوح رائحتها الزكية في مفاصل الحياة.