قراءة في قرعة ربع نهائي أبطال أوروبا

 

 

حسين الغافري

كما كان مُنتظراً فقد أُعلنتْ قرعة دوري أبطال أوروبا في دورها رُبع النهائي بمواجهات ساخنة. وبغض النظر عن خيارات اللقاءات الأربعة، يعتبر الوصول إلى هذا الدور وقطع هذه المسافة في عُمر البطولة يعطي انطباعا أوليا بأنها جميعاً مواجهات صعبة جدًّا؛ وستكون مثيرة كالمعتاد. ومن ضمن أقوى المواجهات المرتقبة، والتي ستكون محل اهتمام واسع مباراة ريال مدريد الإسباني وبايرن ميونخ الألماني.. الريال يدخل المواجهة بتاريخ عريق وبسلسلة ألقاب أكسبته خبرة واسعة في التعامل مع لقاءات مماثلة، وضمنت له حتى الآن أحد عشر تتويجاً برقم قياسي. وفي المقابل، لا ُيمكن تجاهل بايرن ميونخ بصفته من كبار القارة العجوز التاريخيين ويتمتع بثقل كبير مُؤهَّل للعب أدوار مُتقدمة والظفر باللقب في مختلف مشاركته في العقد الأخير خصوصاً. المواجهة بطبيعة الحال ستكون صعبة ولعل آخر اللقاءات الأوروبية قبل ثلاثة أعوام منحت الملكي أفضلية نسبية على البايرن عندما كان الريال تحت إدارة الإيطالي أنشيلوتي والبايرن يمسك زمامه الإسباني جوارديولا. أمَّا اليوم فالكرسي البافاري تغير لأنشيلوتي وأمام منافسه هو مساعده السابق الفرنسي زيدان الذي أثبت بعد ما يزيد على عام عن توليه الدكة الفنية للملكي عن قراءات ممتازة وإدارة موفقة لكتيبة النجوم التي بحوزته أوصلته إلى هذا الدور وقادته للقب العام المنصرم. وفي اعتقادي أنَّ بايرن ميونخ سيدخل المواجهة بضغوط أخف كثيراً عن الريال بسبب تفوقه محليًّا وضعف منافسيه وتفرغه لدوري الأبطال. ولعلي أشترك كذلك مع من يقول بأن ضعف المنافسة بالدوري الألماني أسهم في خفض الحضور الذهني أوروبياً للبايرن؛ على عكس بقية الأندية؛ لذلك نجده "مرتاحاً" بدرجة كبيرة. والفريق يضرب بنتائج كبيرة وحتى لو لم يشرك الفريق الأساسي وهو ما يخفي العيوب الموجودة فنياً ويضعف معرفتها مسبقاً؛ ليتجنبها في المنافسات الأوروبية. بينما الحضور الكامل محلياً وشدة المنافسة تظهر الأعطال ومكامن الضعف وهو ما شاهدنا عليه ريال مدريد في العام الماضي وبرشلونة قبلِه. عموماً، الأمر ليس بمقياس ثابت ومواجهات من هذا النوع تستقطب اللاعبين قبل الجماهير وهو ما سيمنح اللقاءات جدية وإثارة مرتقبة في المواجهتين.

******

أمَّا لقاء برشلونة الإسباني ويوفنتوس الإيطالي، فهو امتداد لإثارة القرعة وحماسيتها المتوقعة. برشلونة بعدما قلب الطاولة على النادي الباريسي في موقعة مثيرة جعلتها واحدة من اللقاءات التاريخية في أرشيف البطولة يطمح جمهوره إلى تخليد مباراة العودة "الريمونتادا" باللقب لتبقى بذكرى عميقة عند الجمهور المحب بشكل أكبر. وعلى الرغم من أن هناك من يتحدث عن أفضلية برشلونية في مواجهة يوفنتوس مستشهداً بنهائي الأبطال قبل عامين؛ إلا أن اللقاءين الحاليين للفريقين بعيدات كل البعد عن مواجهة مماثلة في الشكل ولأسباب كثيرة، أولها: صعوبة النهائيات، والتعامل معها يختلف كثيراً عن الأدوار الإقصائية وبحظوظ مناصفة في ملعب محايد. الأمر الثاني: أن برشلونة الحالي ليس يبرشلونة ذاته قبل عامين ولا يوفنتوس هو نفسه. كثير من الأمور إختلفت. برشلونة ومن يتابعه يعرف بأنه يعاني في جوانب عدة. ضعف بوسط الميدان وإعتماد كلي على خط المقدمة وقد يعاني كثيراً عن "خنق" الـ(MSN) يتعبه في الخروج من مناطقه. أضف بأن خروج البرازيلي داني ألفيش أوجد فراغ واضح لم يسد بخيارات أفضل. عموماً، الانتدابات كلها تقريباً في الأعوام الأخيرة لم تقدم الإضافة المتوقعة ولم تحقق الإستمرارية. ويوفنتوس أمام برشلونة في الوقت الحالي يملك الفرصة ذاتها التي يملكها برشلونة في حسابات التأهل. الفريق يسير إلى تتويج محلي كعادته وبأسماء تضمن مقومات النجاح من قوة هجوميًّا.. وصلابة دفاعية.. وثقل بوسط ميدان؛ إضافة إلى حارس كبير كبوفون. يوفنتوس صب كل أمواله العام الماضي على أمل اللقب الأوروبي الذي يحلم به. ولعل مواجهة برشلونة مبكراً دافع قوي في قياس مستوى هذا الطموح ويبقي إسم إيطاليا جنة كرة القدم خفاقة بعد الأزمة الإقتصادية قبل ما يقارب العقد من الزمن والتي تأثرت بها الكرة بشكل جلي.

******

وفي مُواجهة طموحة جديدة بعد سوء توفيق عامي 2014 و2016، يدخل أتلتيكو مدريد مشوار اللقب الأوروبي بمواجهة ليستر سيتي الضيف الجديد على البطولة. أتلتيكو نصَّب نفسه كرقم صعب أوروبيًّا تحت قيادة الأرجنتيني سيميوني، وكون مجموعة مقاتلة ومخيفة وصعبة المراس. سيميوني قارئ جيد للمباريات وذكي في تعامله مع لاعبيه، ولكن ميزته الأكبر في التحفيز والتهيئة والحضور النفسي للاعبيه. وكقراءة نظرية متواضعة أرى بأن خبرة أتلتيكو مدريد زادت نظير حضوره الكبير أوروبياً بينما أعتقد أنَّ مغامرة ليستر وصلت فصلها الأخير ولأسباب عديدة كما قلت أولها الخبرة التي تنقصه على مستوى النادي واللاعبين، وقوة الأسماء ثانياً. أيضاً بأن ليستر يمر بمرحلة سيئة محليًّا ومرتقب بأن يعيش الفريق تحت الضغوط على أمل البقاء في الدوري الإنجليزي الأمر الذي سيجعله يبذل جهدا مضاعفا قد يؤثر عليه أوروبيًّا. وفي آخر المواجهات تتكافأ الفرص بين بروسيا دورتموند الألماني وموناكو الفرنسي. النادي الفرنسي يعيش فترة متألقة للغاية وبأسماء أصبحت تتهافت عليها كبار القارة، وأقصوا المان سيتي الإنجليزي في مباراة مثيرة ذهاباً وإياباً. ومن جانب آخر، فدورتموند هو الآخر رقم صعب أوروبياً وتأهل إلى النهائي عام 2013 ودائماً ما يثبت قيمته الفنية العالية ويحقق نتائج لافتة، وهو ما سيجعل اللقاء صعب التكهن به. إجمالاً، وبعد القرعة، من الممكن القول بأنها أوجدت مباريات متكافئة لا أفضلية فيها لفريق دون آخر، واحتمالية التأهل مناصفة بين المباريات الأربع، لننتظر ونرى.

HussainGhafri@gmail.com