كورونا وكرة القدم الأوروبية

حسين بن علي الغافري

 

بعد موسم شاق وفي ظروف استثنائية، ودّعنا البطولات المحلية في القارة العجوز هذا الموسم، الذي يمكن أن نصفه بأنه موسم صعب ومختلف، خُلقت ظروفه جائحة كوفيد 19 وما خلفته من خسائر تكبدتها كافة الأندية ولا زالت تتأثر بتبعاتها، وهو ما قد يؤثر على قراءة وتوقعات لصفقات كبيرة كما كانت قبل كوفيد.

فما قبله لن يكون كبعده. شهد الموسم الرياضي في أوروبا -والعالم أجمع- تقلبات مختلفة لعل أبرزها وأهمها قبل أقل من شهرين من اليوم الولادة لفكرة ما يسمى "دوري السوبر الأوروبي" بموافقة ومباركة 12 نادٍ يمثلون صفوة الأندية في القارة، حيث الصناعة الفعلية لاقتصاد كرة القدم والاستثمار الحقيقي في هذه الرياضة التي لم تعد رياضة تُمارس لهدف أن تفوز من أجل لقب أو تصارع البقاء كي تتجنب الهبوط لأسفل، هذه الحكاية -دوري السوبر الأوروبي- أقصد لم يُكتب لها النور وتبخرت أو أجّهضت بمعنى أصح وأدق بعد أن خطط وسعى رئيس ريال مدريد فلورنتينو بيريز إلى بناء بطولة جديدة إضافية بدخل سنوي لكافة الأندية يفوق فوق أسوأ الظروف أنه لن يقل عن 450 مليون يورو، ببطولة ستلعب كانت على نظام التجمع بنظام الدوري، وهو ما أجبر الاتحاد الأوروبي للعبة إلى التلويح بعقوبات وإقصاءات وتهديدات لكافة الأندية المشاركة، فضلًا عن تدخلات رسمية وسياسية معارضة. استسلمت من خلاله الغالبية العظمى للوعيد وانسحبت خلال أقل من 24 ساعة لذلك فعلا بأنها "أُجهضت".

ولكن بطبيعة الحال قبل أن ننتقل إلى الشق الأعلى من هذا التساؤل لماذا لا نبحث عن الأسباب التي أنتجت فكرة مماثلة؟ وما هو سبب التوقيت الذي تم اختياره الآن تحديدًا؟ لعل السبب الرئيسي لم يعد بخافٍ عن أحد وبات جليا للجميع، وهي قلة الدخل والعوائد التي تحصدها الأندية مقابل الحجم الكبير التي يجنيه الاتحاد الأوروبي. أو بمعنى مُتكامل: التوزيع "الغير العادل" لحقوق النقل والدعاية والإعلان. المشرفون على البطولات من اتحادات محلية وقارية أرباحهم تتجاوز المليارات سنويا من كافة جوانب التسويق والنقل بصفة مباشرة أو حتى الأمور التجارية التي دخلت حديثًا على الكرة بصفة غير مُباشرة. كل ذلك ساهم في "تحريك" المياه وتجاوز الاتحادات، وهو برأي جرس إنذار وإشعار للقائمين إدارة اتحاد اللعبة في القارة الأوروبية على ضرورة ترتيب العوائد، وتوزيعها بصورة أفضل وأعدل مقارنة بما تدفعه الأندية في الإنتدابات وما تشهده اللعبة من نمو وضخ الأموال يوازيه أرباح كبيرة وكبيرة جدًا لا تصل لمن يُساهم في هذا الدوران والتطور وهنا القصد "الأندية".

ما أريد الوصول إليه أن الحالة التي تعيشها الأندية الأوروبية في الوقت الراهن لا تبدو هي الأفضل والأحسن، وكلها تُعاني الأوضاع المالية الاقتصادية الصعبة. لجأتُ من خلاله إلى بحث تخفيض الرواتب والمستحقات، وإعادة هيكلة الموازنات؛ تجنبًا من الدخول في مديونيات يُصعب ترتيبها والتعامل معها مستقبلًا، فضلًا أننا لا نقرأ أو ننتظر صفقات كبيرة جدًا كما كانت قبل ثلاثة مواسم وتجاوز الإنفاق للنجم الواحد 150 و200 مليون يورو لنجم واحد مثلما حدث مع البرازيلي نيمار أو مواطنه كوتينهو أو حتى المواهب الصغيرة التي لازالت في بداية مشوارها مثلًا لا حصرًا الفرنسي مبابي والبرتغالي فيليكس ممن انفق عليهم من ١٢٠ مليون فأعلى.

في القارة العجوز -هذا العام- لربما لا ينتظرنا صيف يوازي حرارته كما نعيشها في وطننا الحبيب عُمان. التوجّه يسير إلى التريث وعدم الاستعجال، والهدوء في تقليل الدفع المبالغ فيه والبحث عن خيارات مناسبة بعقود معقولة؛ لذلك لم نسمع حتى اللحظة عن صفقة وصلت لسقف الخمسين مليون يورو، صحيح أننا لازلنا في بداية السوق لكن سابقا مثل هذه الأوقات تشيء وتبشرنا الصحافة إلى ربط نجوم بأندية وبقيمة ضخمة.

 

حتى اللحظة كانت الحركة الأبرز هي سوق انتقال المدربين، شاهدنا علاقة انفصال بين بطل إيطاليا إنتر، ومدربه كونتي رغم الموسم الناجح الذي حققه، فضلًا عن عودة أليغري إلى يوفنتوس بعد موسم غير مرضي لجماهير السيدة العجوز مع بيرلو، بالإضافة إقالة جاتوزو من نابولي بعد فشل الفريق في التأهل والصعود إلى دوري أبطال أوروبا الموسم المقبل.

في إسبانيا، الأمر مماثل، فقد ودع ريال مدريد مدربه زين الدين زيدان وأعاد إنتداب الايطالي أنشيلوتي، والأخبار مترددة في برشلونة فتارة تقرّ على استمرار كومان وتارةً أخرى تلوح بإقالته والبحث عن بديل!، وفي ألمانيا ومغادرة فيلك لتدريب المنتخب الأول، وتعيين ناغلسمان عوضًا عنه.

تعاقدات للأندية كما ذكرت لا تبدو مندفعة بسوق ساخنة كثيرًا، التوازن المالي للأندية يطفو قبل كل المواضيع، ريال مدريد مثلًا استقدم صفقة النمساوي ألأبا مجانا من بايرن ميونخ بعد انتهاء عقده، وبرشلونة انتدب اريك جارسيا من مانشستر سيتي وزميله أجويرو كصفقات مجانية، والأخبار تقول أنه يقترب من صفقة مجانية أخرى تتمثل في جلب الهولندي ديباي مهاجم ليون الفرنسي، مع توقعات بتخفيف إنفاق الرواتب في كافة الأندية مثلًا برشلونة برحيل الفرنسي أومتيتي وربما كوتنيهو وبدرجة أقل ديمبلي، ومدريد في رحيل مثل مارسيلو وراموس وغيرهم!.

فهل نتوقع حرارة صيفية قادمة بعد اختتام البطولات القارية مثل كأس أمم أوروبا وكوبا أمريكا؟ أشك في ذلك.