لِيَمِيز الخبيث

 

عبدالله العجمي

إنّ حياتنا التي نعيشها قائمة على قواعد ثابتة وأسس متينة وتوازنات دقيقة؛ قواعد تقضي بأننا سنقوم بتسديد ما أخذناه يوماً، قواعد تقوم على مبدأ أنّ كل ما هو موجود في هذه الحياة فهو كافٍ للجميع، وأن جُلّ ما يمكننا صنعه وفعله تجاه هذا الموجود هو إعادة تقييم نظرتنا إليه من عدّة زوايا، قواعد تخبرنا بأن كل ما نتمناه ونطمح إليه من سعادة وهدوء واستقرار، إنما هو متوفر حتماً، ولكي ننال كل ذلك علينا استغلال الفرص كل حسب طريقته وقدراته وطاقته، فلكلٍّ منا طريقته وأسلوبه ومنهجيّته، وألا نعتمد على الخلطات الجاهزة في الكتب ذات العناوين الرنّانة، لذا يجب علينا أن نحسم أمرنا ونحدد خياراتنا، أفي النور نريد أن نعيش أم في عتمة الظلام؟!

فمثلا: الغذاء الموجود على هذه البسيطة كافٍ لنا جميعاً، ولكن هنالك بالمقابل من يعيش في جوع، أتعلمون لماذا؟ ولم يقضي البعض نحبهم جياعاً؟! هذا لأنّ هنالك سوء تطبيق للمعادلة الكونية، أي أنّ البعض منا قد أخذ من هذا الأكل أكثر من حاجته، إذاً فالمعادلة واضحة وقد ذكرها أمير البلاغة علي بن أبي طالب عليه السلام في إحدى خطبه حين قال: "ما جاع فقيرٌ إلا بما مُتِّع به غنيّ" هذا ما هو حاصل تماماً أمام أعيننا، نرى أن البعض يقوم بأخذ ما يفوق احتياجه، ليعيش البعض الآخر في عالم الفقر والجوع!!

ولنعرّج مثلاً على السعادة، فهي متوفرة في هذه الأرض وكافية لجميع من يسكن عليها، لكن حينما تختلّ المعادلة، أي أن يقوم البعض ببناء سعادتهم على تعاسة البعض الآخر، فإننا حتماً سنرى من يعيش في حزن ونكد، وهلمّ جرّا على باقي الأشياء، ففي الحياة ماء لنا جميعاً، وشمس لنا جميعاً، وحب للكل، ولُطف للكل، فكل ما فيها من نِعمٍ يكفي الجميع، لكن بشرط أن يعيش الجميع ونفوسهم راضية بكل هذا التوازن وهذا التقاسم المُحكم، دونما حِقدٍ وحسدٍ وتباغضٍ، ولنقنع بما لدينا من نعم وألا نقارنها بنعم غيرنا، ولقد وضع المولى عز وجل لنا هذه القاعدة في كتابه العزيز حين قال: "ولا تمدّنّ عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه"

والأهم من هذا كله، أن نحاول جاهدين إعادة جدولة أفكارنا لتسير وفق هذا التوازن ونعيد التفكير في دواخلنا وعقولنا وقلوبنا لنتساير مع هذه الأسس الكونية؛ هل تدركون أن أمام ناظرينا كل ما نريده ونسعى إليه لنعيش بسكينة وهدوء وسلام؛ فهناك ما يكفي لنا بل ويزيد أحياناً عن حاجتنا لنستطيع به قضاء حاجات غيرنا أيضاً؛ كل ما هو مطلوب منّا أن نشخّص هذا التوازن لنروم أن ننعم بحياة تلفّها سعادة أقوى من كل ما يواجهنا من ابتلاء وأسى مهما كان هذا الابتلاء عظيماً ومهما أحاط بنا الأسى من كل جانب.

لنستطيع أن نكون مطمئنّين أثناء أي عاصفة، مسلّمين بأنها يوماً ما ستهدأ وتسكن، راضين بكل ما يمكن أن تسببه من ضرر، لنواصل - بعدها- مشوار حياتنا من جديد.

لست في مقامٍ أعِظكم فيه، ولا أعلم أين تكمن سعادتكم لأدلكم على طريقها، ولكننا نستطيع أن نتلمّس ونتحسس طريقها، فأنا لا أؤمن بالخلطات الجاهزة التي تنشر على صفحات الكتب وفي أروقة المنتديات والمدونات، ولا أقدر أن أصل إلى تشخيص ثابت للسعادة حتى أجزم أن هذه هي،

وهل يا ترى ممكن أن يسعد البعض وهو عاجز؟! أو جائع؟! أو محروم؟! كل ما أستطيع أن أقوله هو أن السعادة تحوم حول الحب والرضا والتسليم والقناعة بل والزهد عن كل ما لا نستطيع نيله، دون التخلي عن ديمومة الحلم بها، فليبحث كل منا عن سعادته الخاصة، وليحفر كل منا بيديه بحثا عنها، والأهم من كل ذلك ألا نستسلم لليأس ونحاول أن نشطب مصطلح القنوط من قواميسنا.

فمهما كان طول عمرنا؛ شئنا أم أبينا فإن هنالك اختباراً يتحتم علينا اجتيازه وعقبات لا بد أن نمر به، فكما أنّ هنالك طريقا مليئا بالأشواك، فهناك بالمقابل طريق مزيّن بالورود؛ فلنحسم أمرنا: أيهما سنختار؟! ولنتعلم جميعنا هذا الدرس البسيط؛ أنّ البلاء إن نزل فإنه لا ينزل بالضرورة ليصلح أخلاقاً ولا ليفسدها. كل ما تفعله هو أنها تكشف معادن البشر، إنها حكمة التمايز؛ إن دقّ الوصف وصحّت التسمية.

هكذا، ليميز الله الخبيث من الطيب.