معاناة المراجعين (2)

 

سَيْف المعمري

بعد المقال الذي نَشَرته، الأسبوع الماضي، حول معاناة المراجعين أثناء زياراتهم للمؤسسات بشكل عام، والوزارات بشكل خاص، تدفَّقتْ عليَّ العديد من الأفكار والملاحظات من قبل القرَّاء الأعزاء، والتي على أثرها وعدتهم بتلخيصها والتوسُّع في الحديث عنها في هذا المقال؛ حيث جاءت معظمها مرحبةً بطرح الموضوع الذي يُلامس واقع المراجعين في مُتابعة معاملاتهم ومصالحهم الخاصة في الوزارات، فيما علَّل مُختصون بخدمة المراجعين وجود تحديات تحول دون حصول المراجعين على خدمة سريعة وبجودة عالية، تتعلق بإمكانيات المؤسسة المادية والبشرية أحيانا، وعدم وجود رؤية واضحة في بعض المؤسسات للرقي بخدمات المراجعين بما يواكب العصر، إضافة إلى تسبب المراجعين أنفسهم في تأخير معاملاتهم، وتعطيل خطط المؤسسة المقدمة للخدمة، بينما دَعَا البعض الآخر لأهمية وجود آلية لكل مؤسسة لقياس مستوى الرضا عن الخدمات، ورأى آخرون أهمية وجود المحطة الواحدة لإنهاء المعاملات التي يحتاجها المراجعون من عدد من المؤسسات الحكومية في نفس الوقت، كما أن وجود منصة إلكترونية تقدم خدمات متكاملة ستسهل الكثير من الجهد والوقت، وإن بوابة "استثمر بسهولة" التي تقدمها وزارة التجارة والصناعة فكرة وجودها رائعة، لكنها يجب أن تتعدى مرحلة إنجاز السجلات إلى المراحل التالية من المعاملة، وأنْ لا تعود الإجراءات إلى سالف عهدها من التأخير والدورة المستندية المقيتة.

وللتفصيل.. يُمكن أن أختصر أفكار وملاحظات القرَّاء الأعزاء في ثلاث نقاط رئيسية؛ النقطة الأولى: تتعلق بإمكانيات المؤسسات المادية والبشرية أو أي أسباب آخرى، وعنها أقول لا يُمكن أن أحمِّل المراجع أعباء إضافية وتعطيل في معاملاته ومصالحه الخاصة، وهو الحلقة الأضعف في  ذلك، ويمكن للمؤسسة أن تكيِّف ظروفها وإمكانياتها لتأدية رسالتها ومسؤوليتها على أفضل صورة ممكنة؛ فعدم وجود كوادر بشرية بالمؤسسة مؤهلة لخدمة المراجعين، وعدم قدرة كوادرها على استيعاب مختلف شرائح المراجعين ومستوياتهم العلمية والثقافية، وعدم وجود التأهيل والتدريب لتك الكوادر على كيفية التعامل مع الجمهور، وقلة عدد الموظفين في دوائر وأقسام المراجعين هذه مسؤوليات تتحملها المؤسسة نفسها، لا ذنب للمراجعين فيها، ومن حق المراجع الحصول على الخدمة المناسبة وفي الوقت والمكان المناسب، كما أنَّ على جميع المؤسسات أنْ لا تعفي نفسها من مسؤولية وجود آلية عمل ورؤية واضحة لتطوير منظومة عملها، والرُّقي بأساليب وأدوات عصرية في تأدية واجباتها وخدمة المستفيدين من خدماتها بجودة عالية وبكلفة أقل في الوقت والجهد وحتى في المال.

أما النقطة الثانية، فهي وجود فئة من المراجعين يتسبَّبون في تأخير معاملاتهم بأنفسهم وتعطيل خطط المؤسسة؛ فهي ملاحظة في محلها وتتكرر كثيرا؛ فبرغم الوسائل المتعددة التي تستخدمها المؤسسات وخاصة الحكومية في إعلانات التسجيل عن توافر خدمة معينة عبر وسائل الإعلام والتواصل المختلفة، والتي تمتد فرصة التسجيل لفترة زمنية مناسبة جدًّا، إلا أنَّ الملاحظ تكدُّس المراجعين لطلب الخدمة يكون في الأيام والساعات الأخيرة، وأحيانا كثيرة منهم يطلبون الخدمة بعد انتهاء فترة التسجيل، رغم تنويه المؤسسة بعدم قبول الطلب بعد انتهاء الفترة المحددة، وليس أدل على ذلك من تكرار عدم تسجيل أولياء الأمور لأبنائهم الطلاب المستجدين للصف الأول، والتي اعتادت وزارة التربية والتعليم أن تمدد فترة التسجيل لأكثر من ثلاثة أشهر، وكان هذا العام من شهر سبتمبر وحتى شهر ديسمبر، ثم مدَّدت الوزارة إلى يناير 2017، ورغم ذلك تخلف الكثير من أولياء الأمور عن تسجيل أبنائهم، مما دفع الوزارة مرة أخرى لإعادة فتح باب التسجيل لأسبوعين إضافيين من بداية شهر مارس الجاري وحتى منتصفه، كما ناشد سعادة سعود بن سالم البلوشي وكيل الوزارة أولياء الأمور بتسجيل أبنائهم المستجدين للصف الأول، ودلَّل سعادته -عبر حسابه الشخصي في الفيسبوك، وتناقلته وسائل الإعلام المختلفة- على أن  65 ألف طفل يجب أن يلتحقوا في الصف الأول للعام الدراسي المقبل 2017/2018م، وإنَّ قرابة 17 ألف طفل وطفلة لم يتم تسجيلهم منهم 12 ألف طفل عُماني.

بَيْنَما يُمكن أنْ نختصر النقطة الثالثة في أنَّ وجود مؤشرات لقياس رضا المراجعين لجودة الخدمات وتعامل موظفين المؤسسة مع الجمهور أصبح أمرا بالغ الأهمية؛ حتى تقلل المؤسسات من هدر طاقاتها من الموار البشرية بسبب اللامبالاة وتعطيل مصالح الآخرين، كما أنَّ وجود منصات إلكترونية كبوابة "استثمر بسهولة" يُعد خطوة في الطريق الصحيح، وإن استرشادنا بها في مقال الأسبوع الماضي كنموذج لتوضيح وجود أفكار عصرية تخدم القطاعات الاقتصادية وتحفز على ريادة الأعمال؛ ولكن من الأهمية أن يتم المسارعة في تطوير البوابة، كما أنَّ معرفة انطباعات وآراء المستفيدين منها مؤشر سيعزز من أهميتها، على أن تكون خدماتها متكاملة ومترابطة مع بقية المؤسسات التي يحتاجها المستثمرون.. وبوركت الأيادي المخلصة التي تبني عُمان بصمت.

Saif5900@gmail.com