"ما كو" رعاية للكفاءات العلمية!

 

 

عبيدلي العبيدلي

تناقلتْ المواقع الإلكترونية العربية -ومن بينها موقع "قناة الحرة"- ما نشرته مجلة فوربس الأمريكية بشأن القائمة التي ضمت "600 شابا أمريكيا تحت سن 30 عاما حققوا نجاحات كبيرة في مسيرتهم المهنية بعدة مجالات؛ مثل: الرياضة وريادة الأعمال والطب والإعلام وغيرها". وأطلقت عليهم فوربس ما أسمته "30 تحت 30"، أي الثلاثين شخصية المبدعة ممن لم تتجاوز أعمارهم 30 عاما. ونوهت المجلة في نسختها الشرق أوسطية الناطقة بالعربية، ونقلت عنها تلك المواقع، إلى أنَّ القائمة "تضمنت سبعة من الشباب العرب الأمريكيين وهم، كما ورد الخبر بشأنهم نصًّا:

1- هاني رشوان في مجال التكنولوجيا، من مواليد القاهرة أنشأ أثناء دراسته في جامعة كولومبيا تطبيق "Buy Buttons" على موقعي فيسبوك وتويتر. وبعد الانتهاء من دراسته الجامعية، أسس موقع payout.com المعني بتسهيل الاقتراض عبر الإنترنت.

2- خالد عبدالرحمن في مجال الألعاب الإلكترونية، هاجر من بيروت إلى كاليفورنيا وهناك حصل على درجة الماجستير من جامعة كاليفورنيا الجنوبية، ويقوم حاليا بالتدريس في مجال تطوير الألعاب. ويحتل موقعا متميزا في قائمة فوربس هذا العام بسبب إسهاماته في تطوير لعبة بوكيمون التي أثارت ضجة كبيرة حول العالم السنة الماضية.

3- آلاء مرابط في مجال الرعاية الصحية، أمريكية ليبية الأصل، أنشأت أول مدرسة للطب قبل أن تتم عامها الـ15، وبعدها سافرت إلى ليبيا لإنشاء جمعية أهلية لتمكين المرأة الليبية، وتشغل حاليا منصب مفوضة في الأمم المتحدة، وهو منصب لم يشغله أحد من قبل تحت سن 45 عاما.

4- سارة منقارا من رائدات الأعمال، أمريكية من أصل لبناني. دفعها فقدانها لحاسة البصر إلى أن تساعد الأطفال المحرومين من الإبصار. بعد زيارتها للبنان، لاحظت أن ذوي الإعاقة هناك لا يحصلون على القدر الكافي من التعليم فأسست جمعية أهلية لمساعدتهم على تحصيل التعليم.

5- جاستين زيات في مجال الرياضة، مصري أمريكي ورث من أبيه شركة لإدارة سباقات الخيل الأصيلة. ترعى شركة "اسطبلات زيات" الخيول الفائزة في سباقات الخيل العالمية، ويمتلك حصان "الفرعون الأمريكي" الذي فائز بجائزة قيمتها 8.6 مليون دولار في مسابقة تربل كراون.

6- ميشيل عطا الله، في مجال العلوم، تستخدم التكنولوجيا لدراسة تأثير الأورام على المناعة بهدف مساعدة مرضى السرطان على الشفاء. والطريقة التي تقوم بها جزء من رسالتها للدكتوراه المسجلة في برنامج مكافحة مرض السرطان في جامعة ستانفورد.

7- رامي إسماعيل أحد رواد الأعمال مطور ألعاب من أصل مصري، حل هو وخطيبته أدرييل ووليك في قائمة فوربس هذا العام. يعمل لدى شركة Vlambeer الهولندية التي أنتجت سلسلة من الألعاب الشهيرة.

ليس هؤلاء العرب السبعة سوى حفنة صغيرة من المبدعين العرب الذين سدت الأبواب في وجوههم في بلدانهم، فلم يجدوا سوى بوابات الغرب فهرعوا نحوها. لن أثقل على القارئ بقائمة طويلة تضم عمالقة من أمثال د. مجدي يعقوب، وهشام شرابي، وإدوارد سعيد، ممن لمعوا في سماء الإبداع العالمي، لكن ليس من بلدانهم، فهناك آخرون ما يزالون مغمورين من أمثال د. طاهر الجمل “مخترع بروتوكول التشفير SSL الذي تستخدمه كل المتصفحات اليوم. والذي يعتبره من يعملون في هذا المجال من أفضل عقليات علم التشفير في عصرنا هذا. وفي العام 2009 حصل د. الجمل على جائزة الإنجاز مدى الحياة lifetime achievement award نتيجة لاختراعاته العديدة في مجال معايير الأمن للشبكات". والجمل من مواليد القاهرة 1955.

وقبل الحديث عن نزيف العقول العربية إلى الغرب، وجدت نفسي مدفوعا بنقل تعليق أحد زوار صفحة "الفيسبوك" التابعة لقناة "الحرة"، التي نشرت خبر الرواد العرب السبعة عن مجلة فوربز. يقول ذلك الزائر، ويبدو أنه من العراق واسمه صباح صالح: "لو باقين (يقصد الفائزين) في دولهم العربية كان أي إبداع ماكو، لأنَّ ماكو رعاية للكفاءات العلمية والتربوية والنفسية والرياضية، وكان انقتل عندهم الطموح، وما حققوا أي شيء يفيد البشرية".

تلك الكلمات تلخص الوضع العربي، في كلمات بسيطة وعفوية، في علاقته مع العقول العربية المبدعة، وخاصة الرائدة منها. فالمنظومة العربية لا تشكل وعاء حاضنا بوسعه التقاط مثل تلك العقول وتوجيهها نحو الطريق الصحيح الذي ينبغي عليها أن تسلكه، كي تحقق طموحاتها، وتفيد الوطن. بل نجدها على العكس من ذلك تماما، تضع نفسها في مواجهة مستمرة معها، وحرب تنابذ لا تتوقف ترغمها على الهجرة والاستقرار في بلدان أجنبية، تكون أبوابها مشرعة تتلقف مثل هذه العقول.

ويمكن حصر أهم العناصر التي تقذف بتلك العقول العربية المبدعة خارج بلدانها، وتواصل حالة الطرد لتلك العقول، التي تحظى بتشجيع ومباركة من قبل الدول التي تستقبلها وتستفيد منها، في ثلاثة منها هي:

* نظم التعليم، التي لا تزال، رغم بعض الإنجازات في هذا البلد العربي أو ذاك، تعاني من عقم شبه مستديم يحول دون تأهلها كي ترقى وتصبح قادرة على استيعاب العقول المبتكرة التي تبحث عن مناهج متطورة بوسعها تلبية احتياجاتها القائمة على التحدي والاستكشاف.

* أسواق العمل، وهي الأخرى غير مستعدة لاستقطاب هؤلاء الرواد واحتضان مشروعاتهم، فأسواقنا العربية ماتزال تدار بذهنية ما قبل الثورة الصناعية، ولم تضع أقدامها حتى على أعتاب الثورة الصناعية الثالثة، فما بالك بالرابعة التي تفتش عنها تلك العقول.

* الرأسمال المغامر (VC)، وهو الرأسمال الوحيد القادر على البحث عن تلك العقول ومشروعاتها، ولا يقبع منتظرا كي تقرع هي أبوابه، بل يبادر بالذهاب لها وغربلتها، وتوفير البيئة الصالحة لها كي تستطيع أن تمارس دورها المبدع في مجال العلوم المختلفة التي تغذي الصناعة بما تحتاجه من مشروعات مستقبلية تساهم في تطويرها تلك العقول.