"المقاومة بالقراءة".. نظرية باراك أوباما

 

 

زينب الغريبيَّة

تابعَ العالم هذه الأيام رحيل باراك أوباما من البيت الأبيض، الذي لم تكن جميع أيامه فيه بيضاء؛ حيث يُواجه -وهو رئيس الدولة الأقوى في العالم- كثيرًا من التحديات والمنعطفات سواء كانت داخلية أو خارجية، ولا أسعى هنا للحديث عنها، بقدر ما أسعى للدرس الذي يقدمه هذا الرئيس الراحل لكثير من الناس في العالم، وهو باختصار: واجهوا الضغوطات والتحديات بالقراءة؛ لأن القراءة تمنحكم قوة لا يمكنكم الحصول عليها من أي مصدر، لا من العائلة التي حولكم مهما كانت حانية وداعمة، ولا من المستشارين الذين يحيطون بكم مهما كانوا عالمين ومتطلعين، ولا من الذين يقفون حراسا على أبوابكم، فمهما منحوكم أمن المكان لا يستطيعون أن يمنحوكم أمانا لقلوبكم التي قد تتعرض لضغوطات، تأملوا كيف كان رئيس أعظم دولة يقضي الساعات الأخيرة من الليل؟ وكيف كان يقاوم بالقراءة ما يتعرض له بالنهار، وكيف حافظ على جدول للقراءة منحهم معرفة جديدة في البيت الأبيض، أصبحت على حد تعبيره من اللحظات التي سيتذكرها حين يتذكر البيت الأبيض.

تعلموا من باراك أوباما كيف يكون لكم جدول للقراءة، لأنها تمنحكم المناعة والقدرة التي تحتاجونها في مواجهة هذا العالم ومقاومة تحدياته، أوباما لم يترك الكتاب لأنه ربح الرئاسة، ولكنه أراد أن يكون الكتاب رفيقاً للرئيس، حتى يقدِّم الرئيس نفسه بدون أن يشعر نموذجا للآخرين من حوله، لأنه يخشى أن يسأل: كيف يهجر الرؤساء والمسؤولون القراءة؟ وهي مفتاح كل تغيير، كيف ينجزون مسؤولياتهم ويرقون بشعوبهم أو مؤسساتهم وهم يهجرون القراءة؟ أو لا يعرفون إلى كتبها سبيلا، لقد وضع أوباما في آخر صيف له بالبيت الأبيض جدولا للقراءة تضمن كتاب (Barbarian days: a surfing life) من تأليف وليام فينيجا، وكتاب (His for Hawk)، وكتاب (The girl on the train)، وكتاب (Seveneves).

لقد قال أوباما في حوار له مع "نيويورك تايمز" في فترة رئاسته الأولى إنَّه يلجأ إلى قراءة الروايات للتقليل من ملل قراءة التقارير اليومية التي تصله، وأوجد هذا الكلام حراكا كبيرا في الولايات المتحدة في مجال القراءة؛ حيث ظهرت نوادٍ للقراءة باسم أوباما لقراءة الرواية معه، وطالبه كثيرون بأن يعلن عن قائمة الكتب التي يقرأها، وازدادت مبيعات الروايات التي كان يقرأها، وهو يؤكد أن القراءة ساعدته على حفظ توازنه خلال ثماني سنوات قضاها في البيت الأبيض؛ حيث كان يقرأ لمدة ساعة في وقت متأخر من المساء، وكانت هذه القراءة تساعده على ما يقوم به، فرواية "منعطف في النهر" للكاتب في أي نايبول والتي ساعدته على فهم حياة الناخبين الأمريكيين، ورواية "مشكلة الأجسام الثلاثة" الذين يعيشون في كوكب بعيد والذين يتعرض عالمهم لحركات فوضوية لثلاث شموس في آن معاً، للكاتب الصيني "ليو سيكسين" هي رواية تتحدث عن ابتلاع الشموس للكواكب وهي رواية قال عنها أوباما "إن قراءاتها كانت متعة حقيقية لأن مشاكلي اليومية مع الكونجرس كانت تافهة بالمقارنة مع أحداث الرواية، وليست شيئا يستحق القلق".

 

إذن؛ خففوا من قلق المشاكل اليومية في أعمالكم، لا تذهبوا إلى العمل بدون كتاب إذا لم يكن لديكم عمل تقومون به، فساعتان للقراءة ربما تجعلان أماكن العمل أكثر ألفة، وتجعل الموظفين أكثر مقاومة للرتابة التي تفرضها بيئات العمل، ربما تعمل أشياء لا يمكن تعلمها، ربما تجعل هناك تفكيرا في آفاق أوسع بدلا من الدردشات اليومية المعادة، ربما تصنع كُتاباً وكاتبات يستفيد من كتاباتهم البلد، ربما توحي لتوثيق أحداث وحوارات ومنعطفات في نهر لا يتوقف من التشاحن والصدام واللامبالاة أحياناً، ربما تتيح التعرف على أنماط معينة من الناس، وكيف تتكرر أمام الإنسان، لنرى كيف أثرت عبارة كاتب رواية في "منعطف في النهر" في مقاومة أوباما وتحديه بالذات للرئيس بوتين في مجال السياسة الخارجية؛ يقول الكاتب: "العالم هو ما هو عليه، الرجال الذين لا يساوون شيئا الذين يسمحون لأنفسهم بأن يصبحوا لا شيء، لا مكان لهم في هذا العالم". إذن الذين يسمحون أن يصبحوا لا شيء لا مكان لهم في هذا العالم الذي أكثر تعقيدا وصعوبة، لا مكان لهم لأنهم تنازلوا بإرادتهم عن الأماكن التي يجب أن يكونوا فيها، وإذا تنازل الناس عن أماكنهم المهمة، فمن سيشغل هذه الأماكن المهمة؟

لا شك أنَّ نظرية أوباما في المقاومة بالقراءة تستحق الاهتمام بها، خاصة في ظل الأوضاع التي يعاني منها كثيرون وتقودهم إلى اليأس والإحباط، والاستكانة، وجدونا لكي نترك أثرا في أوطاننا، ومجتمعاتنا وأسرنا، فعلينا أن نقاوم ونقرأ ونحذو حذو أوباما، ونتسلح بالكلمات، ونمضي إلى أي مكان ومعنا كتاب نرفعه في وجه كل التحديات.