الفقر المدقع في البلاد العربية (1/2)

 

عبيدلي العبيدلي

نشر موقع روسيا اليوم (RT) الإلكتروني رسمًا توضيحيًا يُبين أهم عشر دول "منتجة للمواد الغذائية" في العالم. تصدرت الصين في الأرز، تلتها الهند في الماشية، ثم البرازيل في القهوة. وقبل أن تصل إلى الدولة العاشرة وهي روسيا في الكافيار والحبوب كانت هناك اليابان في الأرز أيضًا، وتركيا في المكسرات والفواكه. كان مصدره الذي استقى منه المعلومات (Agronews).

ربما كان القصد من وراء ذلك النشر بث مؤشرات للمُقارنة، ولفت النظر، أكثر منه الخروج بدراسة علمية موثقة تتحدث عن سلة الغذاء الدولية، أو تُقارن بين طاقات الإنتاج الزراعي لكل دولة من دول العالم. رغم ذلك، كان من المُلاحظ غياب أسماء الدول العربية بما فيها دول مثل العراق أو السودان، أو حتى مصر، من قائمة الدول التي رصدها الموقع.

الأسوأ من ذلك هو عندما يكتشف متصفح المواقع الإلكترونية، أن البلدان العربية بمن فيها تلك التي بحوزتها رقعة جغرافية واسعة، وضخامة ملحوظة في القدرة السكانية الفلاحية، هي الأخرى تُعاني من شح الموارد الغذائية لدرجة أنَّها تصنف في قائمة الدول "الجائعة" التي تواجه مخاطر المجاعة، وهو ما تكشفه أرقام دراسات قامت بها فرق متخصصة تعمل في مؤسسات موثوقة.

لإثبات ذلك، يستعين كتاب من أمثال محمد الدليمي، بأرقام العديد من الدراسات التي تؤكد أنَّه على الرغم من أن "الدول العربية غنية بمواردها الطبيعية والبشرية، لكن الفقر بين شعوبها بلغ مستوياتٍ كبيرة... (وأن) مستويات الفقر في أغلب البلدان العربية والمستقاة من تقرير البرنامج الإنمائي للأمم المُتحدة لعام 2015، وكتاب حقائق العالم الصادر سنوياً عن وكالة الاستخبارات الأمريكية، ومن مصادر حكومية وغير حكومية". كلها تجمع على هذه الحقيقة".

يُشاطر الديلمي فيما ذهب إليه، تلك "الإحصائيات المتعلقة بالعالم العربي"، التي نشرها موقع "تلفزيون الجزيرة القطري"، ونوَّه فيها "إلى أنَّ حوالي 40 مليون عربي يُعانون من نقص التَّغذية أي ما يعادل 13% من السكان تقريباً، بالإضافة إلى أنَّ نحو مائة مليون عربي يعيشون تحت خط الفقر". ويرجع التقرير، ذلك معتمدا على التقارير المتخصصة، إلى "أن الأمن الغذائي العربي يظل مهددا بسبب الخلل الذي يشوب العديد من الاقتصادات العربية جراء عدة عوامل داخلية كفشل الخطط التنموية والتوزيع غير المتكافئ للثروات والفساد، وأسباب خارجية على غرار الأزمات الاقتصادية التي تؤثر على التنمية البشرية عالميا".

وتكشف تقارير أصدرتها منظمة الأغذية والزراعة بالأمم المتحدة (الفاو) لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، "أرقاماً صادمة حول مستويات الفقر المدقع في غالبية البلدان العربية، حيث زادت معدلات الفقر في 15 من أصل 19 دولة عربية عضوا في المنظمة، يبلغ عدد من يرزحون فيها تحت خط الفقر المدقع، وفقاً للتقرير، أكثر من 33 مليون نسمة، ولفتت منظمة (الفاو) إلى أنّ مشكلات الأمن الغذائي في تلك البلدان مرشحة للزيادة مستقبلاً".
أما أرقام برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، بين عامي 2010 و2012، فهي أشد وقعًا على النفس من ذلك إذ تحذر من "أنّ نسبة سكان المنطقة (العربية) ممن يجنون 1.25 دولار أمريكي يومياً ارتفعت من 4.1 إلى 7.4 بالمئة."

وهذه النسب ليست موزعة بشكل متساو بين جميع الدول العربية، ففي دول مثل اليمن، وكما يقول تقرير البرنامج "ارتفع معدل الفقر في اليمن من 42 بالمئة من السكان في العام 2009 إلى نسبة مثيرة للقلق أكثر وصلت إلى54.4 بالمئة في العام 2012."

موقع شبكة "سكاي نيوز العربية"، ينقل، هو الآخر، صوراً لواقع الفقر في أكثر من بلد عربي بما فيها اليمن، الذي يعيش، "ووفقاً للصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد) 80 بالمائة من فقراء اليمن في مناطق ريفية، ويعيش نصفهم على الأقل على أقل من دولارين في اليوم. أما في مصر، أكبر الدول العربية من حيث عدد السكان، تزيد نسبة الفقر عن خمسة وعشرين بالمائة، بل إن ثلثي السكان في صعيد مصر يُعانون الفقر. وحتى في بلد نفطي مثل العراق، تبلغ نسبة الفقر، وفقاً للبنك الدولي 18.9 بالمائة، في حين تصل في الأردن المجاور إلى 14.4 بالمائة، وفي لبنان تزيد لتصل إلى 28.6 بالمائة".

وتعترف المؤسسات العربية التي ترصد ظاهرة الفقر المتفشية في البلدان العربية بخطورة هذه الظاهرة الآخذة في النمو عمودياً والاتساع أفقياً على المستوى العربي، فقد أشارت دراسة أعدها المجلس العربي للطفولة والتنمية، ونشرها موقع صحيفة " الشرق الأوسط" السعودية، الى "ارتفاع معدلات الفقر في الدول العربية إلى 83 في المائة، وأن الهوة تزداد اتساعاً بين فئة فقراء العالم العربي وهم الأكبر عددًا وبين فئة الأغنياء، حيث يعيش نحو 236 مليون نسمة في 13 دولة عربية في مستوى دخل متدن جدًا، بمستوى دخل متوسط لا يتجاوز 1500 دولار سنويًا للفرد الواحد". ويمضي المقال مستعينا بإحصائيات "أعلنت عنها كل من جامعة الدول العربية والمنظمة العربية للتنمية الزراعية والتي أشارت إلى أن الحجم الإجمالي للفجوة الغذائية بين الدول العربية يتراوح حاليًا ما بين 11 و13 مليار دولار. وأن هذا المعدل يبعد دول العالم العربي عن تحقيق الأمن الغذائي على الرغم من انخفاض هذا المعدل من 21 مليار دولار في الثمانينيات. كما أن استمرار هذه الفجوة يؤدي إلى ارتهان إرادة الدول العربية بقوى خارجية".

كل هذه التقارير، وأخرى مثلها، تحذر من خطر تنامي ما أصبح يُعرف بالفقر المدقع في صفوف السكان العرب. يضاعف من سرعة انتشاره دخول البلاد العربية في دوامة العنف منذ العام 2011. والفقر المدقع، كما ورد في "التقرير العربي للأهداف الإنمائية الألفية" هو "الذي يقاس بنسبة الأشخاص الذين ّ يقل دخلهم عن1.25 دولار في اليوم".