خطورة الإعلام المغْرِض

 

 

حميد السعيدي

يُعرَّف الإعلام بأنَّه السلطة الرابعة؛ نظراً للأهمية الكبيرة له، من خلال مقدرته على نشر العلم والمعرفة، وبناء التوجُّهات الإيجابية لدى المجتمعات. وهو يسعى لتثقيف الناس بالكثير من القضايا الحديثة، وتنوير فكرهم بالمستجدات الحديثة، ويعمل على التسويق التجاري، ويسهم في سرعة وصول الخبر إلى الطرف الآخر، كما يعمل على معالجة الكثير من القضايا الاجتماعية والاقتصادية والتربوية؛ مما يُسْهِم في تقدم الشعوب وتطورها بما يتوافق مع ما يحدث للعالم من تقدم وتطور في كافة المجالات.

لذا؛ فلإعلام له دَوْر كبير في التأثير في المجتمعات، ونشر ثقافة الحوار بين الحضارات وانتقال الكثير من القيم السلام والتسامح والديمقراطية بين دول العالم، خاصة بعد الانفجار المعرفي والتقني الذي أثَّر على الإعلام بصورة كبيرة؛ من خلال تطور أنظمته وآليات وصوله للفرد والجماعات، فقد تمكن الإعلام من كسر الحواجز الجغرافية والسياسية والانتشار بصورة كبيرة.

إلا أنَّ هناك الجانب المظلم والخطير في منظومة الإعلام عندما يُستغل ضد الدول، ويسعى لتحقيق أجندة وأهدافًا خارجية تضر بأمن واستقرار الشعوب، وذلك بالتخلي عن قيم ومبادئ الإعلام وضياع الضمائر التي تباع وتشترى بالمال مقابل تحقيق أهداف وغايات لأفراد أو مؤسسات أو دول تريد اغتيال الأمن والاستقرار داخل الأوطان، والعمل على تدمير كل مكتسباتها ومنجزاتها الوطنية؛ لذا فهو يعتبر السلطة الأولى الأقوى في العصر الحديث.

حيث أفرزت مرحلة ما يطلق عليها "الربيع العربي" في العام 2011، أنَّ المحرك الأساسي لكل الاضطرابات التي حدثت هو الإعلام الموجَّه، وهو يعتبر من أخطر الوسائل السياسية التي تؤثر بدرجة كبيرة في الشعوب والمجتمعات، وله دور في قيادة الاضطرابات داخل الدول مما يُسهم في التأثير على أمنها واستقرارها، وإشاعة الفوضى من خلال نشر وبث المعلومات والأخبار المغلوطة والمسيسة، والتي تصمَّم بدرجة كبيرة من الحرفية؛ بحيث تحقق غايتها من خلال التغول في الفكر الداخلي للفرد، وبالاعتماد على المؤثرات المتنوعة سواء المقروءة أو المرئية أو التقنية، وبالاستعانة بكل الوسائل الإعلامية المتاحة، وشبكات التواصل الاجتماعي، وذلك بالاعتماد على بعض الأحداث التي يعاد فربكتها؛ بحيث تُحدث شرخاً قويا في تماسك المجتمع، ويفقد ثقته بدرجة كبيرة للقيادات الوطنية في بلده؛ مما يُشعرهم بالأسى وفقدان الأمل وضياع المستقبل.

الإعلامُ يُعد في الوقت الحاضر من أخطر الوسائل الأكثر تأثيرا في القضايا السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، ولا يوجد إعلام بريء؛ فهو مُوجَّه للعمل وفقا لأيديولوجيات وأجندة خاصة به، تمول من قبل مؤسسات ودول وأفراد، تسعى لتحقيق أهدافها وفقا لتوجهاتها السياسية والأمنية؛ لذا فما نشهده اليوم من نشر الكثير من المعلومات والأخبار المغلوطة تأتي ضمن مخطط طويل المدى يسعى لخلق شعور بالإحباط لدى المجتمعات، وبناء تراكمات سلبية لديهم، ثم العمل على الاستفادة من حدوث أي موقف شاذ عن طبيعته ويعمل على استغلاله؛ بحيث أصبحت البيئة جاهزة للإثارة والاشتعال، وهذا ما حدث بالوطن العربي خلال السنوات الخمس الماضية؛ فقد عمَّت الفوضى بعدد كبير من دوله، وكان المحرك الأساسي لها هو الإعلام الموجه.

ومن المؤسف حقاً ونحن نعيش في هذه المرحلة الحديثة من التقدُّم والتطور والعلم والمعرفة، وبالرغم من معرفتنا بخطورة الإعلام الخارجي على أمن واستقرار الوطن، أن نُصدِّق كلَّ ما يُنشر في وسائل الإعلام أو التي تروج له وكالات الأنباء، أو التي تتداول في شبكات التواصل الاجتماعي، خاصة ما يتعلق بالجوانب السيادية والسياسة الاقتصادية للوطن، والتي يُفترض أنها معلومات تعتلي منصة الاهتمام الحكومي، والتي لا يُمكن تصديقها إلا بعد نشرها في وسائل الإعلام الرسمية أو وكالة الأنباء الرسمية، فالأوطان لم تُعد سالمة من توجهات الآخرين ورغبتهم في اقتناص الفرص واستغلال الظروف الاقتصادية في تحقيق مأرب وأهداف تمس القضايا الداخلية.

واليوم، يجب على كل مواطن أنْ يُدرك جيداً أن الوطن هو خط أحمر يجب أن نضعه نصب أعيننا، وأن نتعلم مما نشاهده اليوم من صراعات واضطرابات يشهده العالم، فإننا لن نكون في مأمن منها إذا لم نكن على ثقة كبيرة في قيادة هذا الوطن نحو تحقيق الأهداف والغايات الوطنية، وعلينا قيادة أفكارنا واستخدام عقولنا بطريقة إيجابية في التحري من المعلومات والأخبار التي تنشر مهما كانت مصادرها، حتى لو كانت من أقوى وكالات الانباء؛ فالمال اليوم هو المتحكم في بيع وشراء ضمائر الآخرين، ولا يوجد ما يمكن تسميته الإعلام الخارجي النزيه الذي يرغب في دعم حريات الشعوب ونشر أفكار الديمقراطية، فهي أكذوبة العصر الحديث ومدخل في ضرب أمن واستقرار الدول، وتحقيق لأهداف سياسية واقتصادية خاصة.

ويحذِّر ديننا الحنيف من الانجراف خلف المعلومات والأخبار دون التيقن من صدقها، ويقول الله عزوجل في كتابه العزيز: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين" (سورة الحجرات)، فقد جاء التوجيه الرباني في أكثر من آية قرآنية تؤكد على ضرورة التقين والبحث والتقصي من صحة الأخبار، نظراً لخطورة نقل الاخبار الكاذبة وأثرها في اقتصاد وأمن الدول والأفراد، والامتثال لذلك هو واجب ديني ومحاسب عليه المواطن في كيفية التعامل مع المنشورات الإعلامية وعدم التأثر بها دون التيقن من صحتها وصدق مصدرها.

فعُمان يجب أن تكون آمنة في قلوبنا وأرواحنا، وأن نتحمل المسؤولية الوطنية، ونؤدي واجباتنا بأمانة وإخلاص في سبيل الوطن.

علينا أن نُدرك أن الآخرين ليس همهم المواطن ولا مصلحته؛ فالكثير من المنشورات يجب التعامل معها بحذر دون التأثر بها، خاصة وأنها تهدف إلى تحقيق مقاصد معنية تلامس الذات وتؤثر في الانتماءات الوطنية وتضر بالوطن، وتشعر الإنسان بالإحباط من كل شيء، وكأنه يعيش مرحلة الغاب والسلب والاستغلال والفساد والاخفاق والفشل، دون النظر للجانب المشرق في هذا الوطن وهنا تكمن خطورة مثل هذه المخاطبات الفكرية مما يسبب تراكمات لدى المواطن وخاصة فئة الشباب محاولاً استغلال حماسهم وقدراتهم الجسدية ونشاطهم في الجانب السلبي وخلق حالة من القناعة لديهم بالنظرة السلبية تجاه الوطن وهنا تكمن خطورة هذه المنشورات، فالواجب التعامل معها بإدراك ووعي وعدم الانفلات، والتفكير في تقييمها بصورة إيجابية وبناءة.

Hm.alsaidi2@gmail.com