لن ينقذنا إلا ربيع عربي ثقافي!!

 

زينب الغريبية

كلمة ربيع عربي ارتبطت بالسياسة والوضع السياسي الذي يزيد تأزما يوما بعد يوم؛ حتى أصبحت كلمة ربيع من الكلمات التي توضع محل التندّر في الكتابات، بأنّها بالفعل ليست ربيعا بل خريفا أو جحيما حتى، نحن حقيقة سئمنا من السياسة التي احتلت النصيب الأكبر من نقاشاتنا الفارغة وحواراتنا التي لا تزيد الوضع إلا تأزمًا، فما إن ندخل في نقاشات حتى تتزايد اختلافاتنا، نتيجة مواقفنا المختلفة تجاه القضايا والمواقف السياسيّة المحيطة بنا.

حاجتنا الحقيقية ليست في ربيع سياسي، بقدر ما هي حاجة إلى ربيع آخر ينتشلنا من الضعف والاستكانة التي وصلنا إليها، ضعف وسط ما تحمله أمّة إقرأ من مقومات القوة، فكيف لأمّة كل هذا الضعف؟ وهي تمتلك كتابا كالقرآن يحتوي على شريعة حياة حين طبقت بحذافيرها في أزمان سابقة كانت القوة والغلبة لها، كيف لها كل هذا الضعف؟ وهي تمتلك ذلك النسق القيمي المتين كأساس لتعاملاتها، فحين طبقته مجتمعات معاصرة لا تنتمي إلى أمتنا أصبح يشار إليها بالبنان.

كيف لأمّة هذا القدر من الضعف وهي تقف على أرضيّة من قوة الحضارة والتاريخ الذي لو اتخذت منه أساسًا ونهجًا لاستمرّ ما قدمه الأسلاف في كافة المجالات من علوم ودين ولغات وحضارة مادية وغيرها؟ كيف لأمة هذا القدر من الضعف وهي تحظى بهذه الموارد الطبيعية من الثروات وأشكال الطاقة والطبيعة والموقع الجغرافي المتوسط للعالم، والذي يحظى بمناخات مختلفة ومميزات جغرافيّة متنوعة، وما يترتب عليه من تنوع في خيرات النباتات والمزروعات ما تؤهلها لأن تكون في مقدمة الركب في عالم الصناعة والزراعة والتجارة والسياحة وغيرها من الأنشطة؟ كيف لأمّة هذا القدر من الضعف وبها ذاك القدر الكبير من العقول المبتكرة والمفكرة والذين فازوا بجوائز عالمية، وحققوا مراكز متقدمة في براءات اختراعات علمية، وأبحاث علمية، إضافة إلى التقدم في إنتاج الكتابات والأدب والفن والموسيقى وغيرها، رغم التضييق والإهمال الذي يعيشونه؟

ماذا ينقصنا كأمّة تمتلك كل تلك المقومات؟ ماذا يتميز الآخر عنّا لتكون له القيادة؟ حتى أموالهم التي يديرونها وتدعهم ليكونوا هم القادة هي من أموالنا، ومصادر الطاقة التي يعملون عليها هي من أرضنا، وكثير من العقول التي يفكرون بها هي ممن ينتمون إلى بلادنا، إلى متى سنظل في الظل؟ ونحن نمتلك كل تلك المقوّمات؟ إلى متى سيظل ما يشغلنا مواقف السياسة والقيادة السياسية التي لا تؤتي ثمارها؟ إلى متى ستظل حواراتنا عن مذهبي ومذهبك؟ بدلا من أن نتوحد من أجل قوة شأننا جميعا كشعب واحد قوته في اتحاده لا في تفرقه؟

ما ينقصنا بالفعل هو ربيع ثقافي، يزيل هذا الغمام، ويسمح لشعاع النور بالانسياب بأريحيّة من خلاله، ربيع ثقافي يقوده الأقوياء والمؤثرون، والتاريخ يصدح بكثير من الأمثلة لو اعتبرنا منها، يذكرنا بأنّ ربيع الثقافة وتثمين العقول، هو الحل لمواجهة الأزمات وتغيير المسار، فهل يعقل رغم تلك المقوّمات ومرتكزات القوة التي نستند إليها أن نكون نحن خارج النطاق؟ فاشلون في تحقيق أي شيء، في التعليم، في الصناعة في التجارة، في تحقيق الاكتفاء الذاتي لأنفسنا، حتى أننا نخشى من أن ينتهي النفط من أرضنا فلا نملك مقوّما لاستمرار معيشتنا واستمرار مشاريع بنيتنا التحتية.

فبالعلم والثقافة والتنوير تنتقل الشعوب من وضع الجهل والظلام، إلى عصر النور والإنتاج، الإنتاج الغذائي والصناعي والتجاري، وتدب الحياة التي تعتمد على مصدر غير ناضب، مصدر أتعلم وأتقن، وأعمل وأتقن، أكتب وأتقن، فهناك من يرعى عملي وإتقاني ويشجعه، هذه هي مظاهر الربيع المنتظر، الربيع الذي يعلن فيه العربي أنّه فخور بعروبته، ومُصدِّرٌ لحضارته، وقائد في العلم والعمل، ونستقطب الآخر ليأخذ مما وصلنا إليه ومن تجربتنا التي اعتمدت على مرتكزات قويّة حبانا الله تعالى بها، وميّزنا بها عن بقيّة الخلق لو أحسنا استغلالها.