قاتل الله الحسد

 

راشد الجنيبي

(ومنْ شرّ حاسد إذا حسد).. سورة الفلق.

يعوذ الله عبده من شر ما خلق، من الكرب من الهم من همزات الشياطين من كل ضر، لكن خصّ الباري في الوحي شرّا أمر به عبده أن يستعيذه منه بالتحديد، الحسد وشرّ فاعله، (صابتك عين) عبارة رنّانة في المجتمع، يحتج بها كل من تعثر في أي أمر، هذا إن لم يسبقه صدى عبارة (سحروك)، ذاك أمرٌ كلّه غيب ومن الغيب وإلى الغيب والتأويل فيه مجازفة والاحتكام به غير واقعي، الأقرب للواقع وللتحليل هو اللؤم الذي يكمن في صدر الحاسد ويترجم بالأفعال والنوايا الخبيثة، بتعبير أدق هي تمّني زوال النعم عن الغير.

قاتل الله الحسد كيف ما كان وأينما صار، إذا استشرى في مجتمع أفسده، وإذا صار بين الأخوة والأصدقاء أو حتى الأهل لا يفرّقهم ويشتتهم بالشكل الصريح، إنما يزيد اللؤم بينهم والبؤس والحدة، لأن الحسد يكمن في صدر صاحبه ولا يوضح، فلذلك لا يفرّق ويؤثر بالشكل الصريح، حاسدٌ له جار أنعم الله عليه بخير النعم، أهلٌ و ذريةٌ ومال، يكره الحاسد هذه النعم لجاره الذي احتضنه وأعانه يوما، الحاسد حقّا مريض، أو تكون نشيطا وفعّالا فتأخذ زمام مبادرة تمثيل جماعتك وأخوتك أو حتى زملائك أمام المؤسسة المسؤولة، فيأتي "زميلك" الحاسد يشكوك من أمر وفور ما تتجاوب معه وتفعّل موضوعه وتثبت شكواه باسمك من أجله، يهرب القذر ويشكو عليك للمؤسسة بحجة عدم تلائمك فيها، يفعل ذلك كرها لفضلك عليه وهذه غبطةٌ مذمومة، قاتل الله الحسد! يأتيك مغتربا لحيّك ومنطقتك بل يصبح زميلك في عملك وفي نفس المؤسسة، وتلطفا منك ترشح اسمه قبل اسمك لأي دورة علمية أو رحلة عمل توفرها جهة عملك، ثم تسأل عنه فتجده أنه رفع اسمه وبتر من القائمة اسمك، الغريب في الأمر ستجده في اليوم التي قبلها كان يركض معك في شاطئ للنقاهة!

(لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا) سيّد البشرية

صحيح أن في أي إنسان قد تجد فيه نسبة من الغبطة والتمنّي ما عنْد الغير، وقد يكون ذلك من الفطرة، فقابيل وهابيل اقتتلا لتمنّي أحدهم نعم الآخر، إذا تأملت الحاسد وراجعت ماضيه، ستجد ثغرات سوداء خلقت فيه تلك الغبطة المقيتة التي قد تخلق الحقد، أمٌ تمدح ابنها المتفوق في الدراسة وتزكيه عن أخيه، بل تهدي المتفوّق كل جميل وتتجاهل الآخر، فيزرع الحسد! سيّدٌ يبالغ في المكرمات لكلّ من امتدحه وتملّق له من عبيده، فيكون تنافسٌ مذمومٌ بينهم وسباقا للتملّق وتقبيل الأيادي ويستشري الحسد! دناءة النفس بذلك تستشري في المجتمع ويفسد ولا يجتمع بالحسد، وتكون سمته الحسد، ويفقد حينها اسمه "مجتمع".

الحسد كيف ما يكون هو مرض، بل حتى عقدة الحسد "الغيْبي" إذا ترسخت في المجتمع نفسه أضعفته، وقللت من عزيمته، وصارت عكّازا يتّكئ عليه كلّ كاسل حجّة عن عدم مثابرته ومواظبته على مهامه، وباء الخوف من الحسد ينتشر بين الأفراد الضعاف، فالفشل عندهم حسد وليس فرصة لمراجعة الأمور والتركيز لبداية أقوى، المرض يرونه حسد وليس نتاج بكتريا أو عدوى أو حتى كما يراه الزهّاد تكفيرا للذنوب، حتى إذا فرحوا خافوا من العين والحسد، وقللوا ضحكاتهم وبدأو بنشر الريق "المبارك" من حناجرهم على أجسادهم، حقّا إن الحسد مرض أيا كانت صورته هالكٌ لصاحبه والمحسود والمجتمع كلّه.

 

انتبه، ففي كل زاوية ستجد حاسدا حسودا يراقبك، قاتل الله الحسد!

 

 

Rashidhj1139@hotmail.com