د. آسية البوعلي
بداية أود أن أشكر الزميلة الفاضلة الدكتورة: عزيزة الطائية، الخبيرة التربوية بوزارة التربية والتعليم، فهي أول مَن وجهت إليَّ الدعوة للمشاركة في حلقة النقاش التي كانت عن (الأدب العُماني في المهجر)، والتي عقدت بالنادي الثقافي في مطلع شهر أكتوبر 2016م. كما أشكر النادي الثقافي ورئيسة مجلس إدارته الزميلة الفاضلة الدكتورة: عائشة الدرمكية على إرسال الدعوة إليَّ رسميًا. وأعتذر لهم جميعًا، إذ نظرًا لظروف خارجة عن إرادتي حالت دون مشاركتي في الحلقة، كما حالت حتى دون اعتذاري، الأمر الذي ليس من طبعي ولا من أسلوبي.
تضمنت حلقة النقاش عدة محاور تمثلت في الآتي:
- التعريف بمصطلح أدب المهجر العُماني، والأثر الثقافي للأندية الطلابية في الخارج.
- عن دور المرأة وتفاعلها في أدب المهجر، والمخطوطات العُمانية في المهجر.
- التوجه للشعر الحنيني، وتشكل قصيدة النثر في المهجر العُماني.
ولَمّا كانت الجزئية المخصصة لي في النقاش هي: التعريف بمصطلح أدب المهجر العُماني. فإنني أعرض هنا مجموعة من النقاط التي كنت أنوي أن أطرحها في النقاش والتي تتمثل في الآتي:
إنّ مصطلح "أدب المهجر العُماني" مصطلح غاية في التركيب ويثير مجموعة من التساؤلات أولها: ما هو تعريف أدب المهجر؟ سواء أكان عُمانيًا أو غيره؟
بالمفهوم التقليدي الذي تعلمناه من مختلف كتب النقد الأدبي أنّ أدب المهجر هو كل أدب شعرًا كان أم نثرًا دُون في موطن خارج نطاق الموطن الأم. بهذا المفهوم نستطيع أن نتقبل وبأريحية شديدة بأن أدب المهجر العُماني ينطبق على كل ما دونه العُمانيون في مهجرهم، من أمثلة ذلك أدب المهجر العُماني الأفريقي.
فمن هذا الأدب: أمهات الكتب التي جمعت بين الأدب والتاريخ ككتاب "جهينة الأخبار في تاريخ زنجبار" للشيخ العلامة: سعيد بن علي المغيري، الذي ألفه في أواخر القرن الرابع عشر الهجري. ففي هذا الكتاب الجامع بين الأدب والتاريخ، أثبت فيه كاتبه أنّ الشعر كان شعارًا ورمزًا ثقافيًا راقيًا، تلجأ إليه الأمة حين التعبير في زنجبار.
و من هذا الأدب "ديوان أبي مسلم البهلاني" لصاحبه ناصر بن سالم بن عديم الرواحي المرجح ولادته في سنة 1273للهجرة أو في سنة 1276 هجرية، والذي انتقل إلى زنجبار ليمكث فيها حتى وفاته في سنة 1917م . والديوان الذي أُلف في زنجبار وتمت طباعته في سنة 1928م، كان لقصائده تأثير على العمانيين حتى القرن العشرين، بما تضمنته من تعبير عن آمالهم في تحقيق الوحدة والروح القومية.
كما يقابلنا فن المقامة عبر كتاب "مقامات أبي الحارث" لخميس بن علي البرواني المولود في زنجبار (1878م – 1953م) . ومقامات أبي الحارث المؤلَفة بزنجبار في 1950م، أثبتت أن هذا الفن الذي يرجع تاريخه إلى القرن الرابع الهجري، تمثل في مقامات عُمانية حديثة تحاكي ما تم تألِفه قديمًا شكلاً ومضمونًا.
وتقابلنا السيرة الذاتية في كتاب "مغامر عٌماني في أدغال أفريقيا: حياة حمد بن محمد بن جمعة المرجبي( 1840-1905م) المعروف بتيبو تيب " ( لا تاريخ محدد للتأليف)، ترجمة : د. محمد المحروقي . حيث أثبتت هذه السيرة أن شرق إفريقيا وزنجبار - بوصفهما مكانيين يتضمنان أحداثًا وبوصفهما خلفيتين وقع عليهما أحداث وعلاقات نفوذ – كان لهما القدرة على تحويل الشخص العادي إلى أسطورة يُحكى عنها.
وفي أدب الرحلة دوّن السيد الأمجد: حمود بن أحمد بن سيف البوسعيدي، المتوفي في زنجبار 1881م كتاب" الدرُّ المنظوم في ذكر محاسن الأمصار والرسوم" المطبوع بمسقط في سنة 2006م. حيث بيّن الكاتب ثنائية هدف الرحلة التي تتراوح بين الدافع الديني والسياحي، فضلاً عما يتصل بها من فوائد السفر. كما تعكس الرحلة حرص صاحبها على تسجيل مظاهر الحياة العصرية في الأماكن التي زارها والتي يغيب معظمها أو يحضر بضعف في زنجبار.
وفي الفن ذاته كتب محمد بن خميس البرواني (المذكور سلفًا) كتاب "رحلة أبي الحارث" الذي طبع بزنجبار في 1915م. وجمع في رحلته بين الوصف الجغرافي والتاريخي للأمكنة من جهة، وبين تجارب وأحاسيس الكاتب الذاتية تجاه كل ما يراه ويمر به في كل بلد من جهة أخرى، وذلك في أسلوب شيق جمع بين النثر والشعر.
وفي فن الرواية كتبت نائلة البرواني المولودة في زنجبار عام 1927م، أول رواية لها باللغة السواحلية في عام 1950م والتي كانت بعنوان" لا تنساني". الرواية أُذيعت حلقاتها في الراديو. وفي عام 1966م نشرت في مجلة معهد أبحاث اللغة السواحيلية. ولكون الرواية تعد أولى الروايات النسوية المكتوبة باللغة السواحيلية، فقد حظيت باهتمام كثير من نقاد الأدب منهم علي سبيل المثال لا الحصر، الناقد الفرنسي "إكسافير جارنيير" Xavier Garnier .
وعلى النقيض من اللغة السواحلية كتبت باللغة بالإنجليزية فاطمة محمد سالم البرواني - ذات الأصول العُمانية، المولودة في زنجبار في سنة 1930م، والمعروفة أدبيًا باسم "فاطمة جينجا" - مجموعة من الروايات الرومانسية هي: " وادي الظلال"،"الأطفال أحباب الله" "لغز الشيراز " و "تعويذة النيروز".
أما التساؤل الثاني الذي يثيره مصطلح أدب المهجر العُماني هو: ما المسمى الذي يمكن أن يُطلق على الأدب الذي كتبه العُمانيون داخل الموطن الأم (سلطنة عُمان)؟ أو على أقل تقدير في حيز يقع خارج نطاق أرض المهجر العُماني الإفريقي؟ وفي الوقت ذاته كُتاب هذا الأدب ينتمون تاريخيًا إلى المهجر العُماني الأفريقي، وكتاباتهم أتت توثيقًا لهذا المهجر؟
ومن أمثلة ذلك فن السيرة الذاتية حيث كتبت السيدة: سالمة بنت سعيد بن سلطـان في ستينيات القرن الماضي من خارج زنجبار تحديدًا في ألمانيا كتاب: "مذكرات أميرة عربية" (1844ـ 1924م) والذي يتضح منه أن زنجبار في هذه السيرة كانت ماضيًا يُسترجع من قِبَل صاحبة السيرة، ويعكس الشعور بالغربة وتمزق الهوية، كما يوثق للوجود العُماني في زنجبار.
وفي الفن ذاته كتب من داخل سلطنة عُمان السيد: سعود بن احمد البوسعيدي المولود في زنجبار سنة 1914م، والذي يعيش في عمان منذ 1972م كتاب " مذكرات رجل عُماني من زنجبار" - باللغة الإنجليزية - جامعًا في سيرته بين الذاتي (الشخصي) والموضوعي (التاريخي).
وفي فن الرواية كتبت نائلة البرواني - المذكورة سلفًا- روايتها الثانية "أمس الذي مضى" باللغة السواحيلية من داخل سلطنة عُمان، والتي من خلالها وثقت للوجود العُماني في زنجبار. بدءًا من توظيف الأخيرة فضاءً، ومرورًا باللغة السواحيلية التي دُونت بها الرواية، وانتهاءً بموضوع الرواية الذي جمع بين السيرة الذاتية والرواية.
أما التساؤل الثالث الذي يثيره مصطلح "أدب المهجر العُماني" أن كتبًا مثل: "مذكرات أميرة عربية " و"مذكرات رجل عُماني من زنجبار" و"أمس الذي مضى" طبيعة الطرح الأدبي لزنجبار فيها، يثير السؤال: هل زنجبار على الصعيد النفسي بالنسبة لهؤلاء الكُتاب، كانت مهجرًا فحسب، أم موطنًا بالفعل؟