هوس تفسير الأحلام

 

 

فيصل الكندي

هَوَس تفسير الأحلام اجتاح شريحة كبيرة من المجتمع؛ حيث اعتاد الكثير منهم أن يرجعوا لكتب تفاسير الأحلام في أحلامهم، أو يتصلوا ببرامج تفسير الأحلام فتفسِّر لهم أحلامهم؛ فإما أن تكون إيجابيةً وإما أن تكون سلبيةً، وهذا خطأٌ كبيرٌ جدًّا يقع فيه السائل والمسؤول فتفسير الأحلام ليس بالأمر الهين ولا يخوض فيه من لا علم عنده ولا فهامة؛ فالتفسير يأتي باجتهادات شخصية وبإلهامات ربانية، ولا يأتي بطريقة حسابية  تؤدي نتائجها إلى خصومات بين العائلات وحالات طلاق وأمراض نفسية تؤرق المجتمع.

تفسيرُ الأحلام علمٌ بحد ذاتهِ له أُسسه وطرائقه؛ فهو لا يعتمد على مفردات معينة وظواهر معينة مدونة في الكتب، وإنما لتفسير رؤية معينة يجب أن يحدد المفسر أولاً هل هي رؤية قابلة للتفسير أو ليست كذلك، وأن يكون هناك تحليل دقيق للسائل يبني عليها تفسيرهُ فيتعرف فيها على طبيعة السائل والعوارض التي يلاقيها في حياته ونفسيته ووضعه الاجتماعي...وغيرها من المتطلبات، ثم بعد ذلك يبني عليها تفسيره بناءً على ردود الرائي.

إنَّ قيام شخص بتفسير حلمه نفسه بنفسه عن طريق الكتب والمواقع الإلكترونية يشبه تماما قيام مريض باستخدام وصفة طبية لشخص آخر، قبل أن يشخِّص الطبيب حالته والنتيجة؛ يعيش الرائي في قلق وأمل وخوف وفرح وشك ويقين، ويبني على ذلك حياته، يروى أن رجلان رأيا رؤية كأنهما يشربان من البحر، فذهبا إلى مفسر زمانهما ودرس الشيخ حالتهما، فقال للأول أما أنت فسوف يُفتح لك باباً من العلم، وقال للثاني وأما أنت فستفتح لك الدنيا، فكان ذلك كذلك إذ أصبح الأول عالماً وصار الثاني مسؤولاً في الدولة، ولم يقم بما يقوم به الكثير من مفسري هذا الزمان بتفسير حلمهما، استناداً إلى كتب أو مواقع إلكترونية فنفس الرؤية لا يطبق تفسيرها على الجميع فالتفسير له ضوابط وقواعد.

تطور هوس تفسير الأحلام إلى درجة أن رؤية قط أسود يفسرها الجميع بأنه شيطان أو سحر أو حاسد يتربص بالرائي، وقد يكون من الأهل أو من الجيران أو حتى من أفراد الأسرة، فتبقى الأسر في حالةٍ يشك بعضها في بعض، وهذا هدف من أهداف الشيطان بأن يُمزق الروابط الأسرية، ويفشي فيهم الشكوك والظنون بطرق متعددة ووسائل متنوعة، ومن أعجب مصائب تفسير الأحلام العبثية أنه اتصل زوج ببرنامج تفسير الرؤى والأحلام فأخبر الشيخ بما رأه فأقسم له الشيخ أنه ومن خلال هذه الرؤيا زوجته خائنة، ويجب أن يطلقها، فقال الزوج: أشهدك يا الله وأشهدك يا شيخ أني طلقت زوجتي بالثلاث!!

إنَّ مما يغفل عنه السواد الأعظم من الناس أن الأحلام منها ما يفسر ومنها ما لا يفسر ومنها ما يفسر بالعكس، فليس كل شيء تراه له تفسير، كما أنَّ السقوط من أعلى ليس معناه شيئًا سَلبيًّا أو شرًا قادمًا، ورؤية شيءٍ مخالف للعقل والطبيعة والمنطق ليس معناه كما هو، وإنما له نبأٌ آخر فنبي الله يوسف عليه السلام رأى الشمس والقمر و11 كوكباً له ساجدين، فهل فسر يعقوب عليه السلام ذلك بالشرك أو بالتقصير في العبادة أو بالتنجيم، لا وإنما كان تفسير ذلك شيئا مغايراً لم يتوقعه أحد، كذلك القط الأسود والأفعى والعقرب لا تفسَّر دائما بأنها شر لمجرد أن هذه الكائنات سامة وخطيرة ومؤذية، فهي أحيانا تدل على خير، وأحيانا تدل على شر، وكل ذلك يعتمد على حالة ووضع الرائي والتوقيت والبلد والظروف المحيطة به وأمور أخرى لا يتسع المقام لسردها.

لذا؛ لا ينبغي علينا ربط مصير حياتنا بالأحلام؛ فكم من رؤيةٍ سلبيةٍ كان تفسيرها إيجابيٌ فالأحلام تصدر من الدماغ، وهي عبارة عن أفكار موجودة مسبقا تتشابك فيما بينها مؤلفة قصةً معينةً؛ فهذا شيء طبيعي يحصل وقت اليقضة، ولكن بسبب انشغال الإنسان عنها لا يهتم بالأفكار التي تمر عليه بالعشرات خلال دقيقة، ولكن وقت النوم يتوقف الدماغ عن التفكير؛ فتبدأ الأفكار في السريان؛ فتتولد منها قَصَصٌ ومغامرات مسلية ومفزعة لا ينبغي للناس التركيز عليها، وإنما هناك من الأحلام النادرة ما يحتاج للاهتمام والتفسير ولو اعتمد الإنسان على الأحلام لتعسرت حياته، وضاقت عليه نفسه لأنه في كل يوم ستكون له مغامرة مع الأحلام.

إِن كان ولابد من تفسير حلمك فابحث لك عن مفسرٍ حاذق متمرس عالم بفنون التفسير يخاف ربه، ليدرس حالتك، ويقدم لك تفسيراً مناسباً خاصا بك وحدك لا يُشاركك فيه أحد، ولا تلتفت لما تقدمه القنوات من برامج التفسير، ولا للكتب التي تفسر رؤى أناس تفصل بيننا وبينهم عشرات السنين قد تختلف أحوالك عن أحوالهم، ولا تربط مصير حياتك بالأحلام، فما تفكر فيه الآن سيدفعك لتحقيقه مستقبلا، وما تخطط له اليوم هو مستقبلك القادم؛ فالحياة لوحة أنت من يرسمها.