حقيبة ورق

الوظيفة الحكومية.. بين التكدس والترهل

 

 

حمود بن علي الطوقي

 

ما جعلني أتناول هذا الموضوع أني ومن خلال زياراتي المُتعددة لعدد كبير من الأجهزة الحكومية لاحظت ما يمكن أن أطلق عليه البطالة داخل المؤسسة الحكومية، وهذه الملاحظة ليست وليدة الصدفة بل منذ أكثر من عقدين يمكننا تسجيل هذه الملاحظة، وهي ما زالت مستمرة، ومرتبطة بكون الموظف أو الموظفة سواء من حملة الثانوية العامة أو من حملة الشهادات الأكاديمية بعد التخرج، يرتكز مستوى العلاقة بالمستقبل على العمل الحكومي، وقد لاحظت كوني صحفيًا، أنّ الكثرة الكاثرة لديها استعداد كامل للانتظار إلى حين بزوغ فجر فرصة للانتماء إلى إحدى مؤسسات الجهاز الإداري للدولة (الوزارات أو الجهات أو المؤسسات)، وبالتالي السعي إليها بكل الطرق والوسائل الممكنة، وباستخدام الأسلحة الموصلة إليها، مشروعة أو غير مشروعة، بهدف اقتناص تلك اللحظة، التي تضعهم على كراسي إحدى تلك المؤسسات، وكثيرون نالوا حظوة الحصول على الفرصة الوظيفية.

 

تمر السنوات، والحكومة تستوعب أعداداً تفوق حاجتها، وتستقطب ما تستطيعه من الكوادر وغير الكوادر، حتى بات لدى العديد من مؤسسات الحكومة أعداداً متكدسة من الموظفين، يفوق عددهم الحاجة الفعلية لأداء الوظائف المنوطة بهم، وهذا - مع الوقت - فتح باباً لظهور ما يُمكن أن نسميه بـ (الترهّل)، ولم يكن من السهل التعامل مع هذين العاملين، فأصبح التكدس يزداد، والترهّل يظهر للعيان شيئاً فشيئاً..

 

استحضرت عبارة قالها معالي يوسف بن علوي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية في أحد لقاءاته الصحفية أكد فيها أن هناك ترهلا في الأجهزة الحكومية وحقيقة من واقع المراجعات التي نقوم بها لبعض المؤسسات الحكومية، رأينا أنّ هذا الترهل موجود كون أن المنجز من الأعمال في ظل ساعات العمل قليل جداً وأن المُعاملة الواحدة يتم تقسيمها إلى خطوات، وكل خطوة يقوم بها موظف، وبالتالي يتم تسيير المعاملة بين عدة موظفين، فقط للخروج من البطالة الوظيفية الداخلية، التي نتجت عن التكدس، هذا على مستوى القسم الواحد، وهي معاملة يمكن أن ينجزها فرد، ولكن في حالة الوظيفة الحكومية، يقوم بها عدة أفراد، حتى لا يتم وضع فرد منهم دون عمل محدد وواضح.

 

في المقابل هناك مؤسسات حكومية أخرى، وزارات وجهات، تعاني من النقص في الموظفين، في مقابل جهات أخرى قد اكتسحها التكدس والترهل، والأولى لا تستطيع التوظيف، لسبب ما من الأسباب، في مثل هذه الحالات، كان من الأولى التعاطي مع هذه المسألة بطريقة واقعية، وذلك بأن يتم تخفيف التكدس عبر فكرة الانتداب، بحيث يزيد الموظف المنتدب إلى وزارة أخرى، خبرته ومهاراته، ويحتك بزملاء آخرين في سياقات وظيفية جديدة، مع احتفاظه براتبه الطبيعي الكامل الذي يستلمه من جهة عمله الثابتة والأساسية، وهذا كفيل بحل أزمة الاحتياج إلى موظفين في جهات أخرى.

 

 

من الضروري أن نفهم ونعي أنَّ الحكومة جهة تستثمر الموظف، من خلال فكرة تقوية مهاراته وزيادة قدراته الأدائية وتنويع مهامه الوظيفية، وهذا لن يتحقق إلا بجعل بعض القوانين ذات مرونة في سد هذا الباب، والاستفادة من الثروة البشرية المتكدسة في الوزارات، وتحويلها إلى مسارات ذات إنتاجية أكبر، بما يتناسب مع حجم الاستثمار والرواتب التي تدفعها الدولة لكل موظف، فمتى ما كانت هذه الفكرة متحققة بمعناها الواقعي والعملي، ومتى ما تمّ سد نواقص الكوادر البشرية بغض النظر عن المسميات الوظيفية، فإنّ الشكوى من التكدس في مكان، والنقص في مكان آخر، سيقضي على الترهّل الأدائي من ناحية، وسيُعزز وجود الموظف المنتج من ناحية أخرى..

 

 

ربما من الضروري - في مرحلة التحول نحو الانتدابات الوظيفية - أن يتدخل مجلس الخدمة المدنية، وأن يرسم هذا المسار لهذا النوع من إعادة توجيه الطاقات، وتنشيط العناصر الخاملة في المؤسسات الحكومية، وتقليص مستويات الترهّل العددي، وتحسين المستويات الأدائية للمعاملات الحكومية، على الأقل من خلال قياس النتائج وانعكاسها على الأداء المؤسسي الحكومي ذاته.

 

 

يمكننا الجزم بأنَّ مرحلة التوظيف التي أعقبت أحداث 2011، ذلك التوظيف المفتوح، الذي قلّص رقم الباحثين عن عمل، هو بداية هذا التكدس، ولكننا - في الوقت ذاته - نظن أنّ الحلول ممكنة، وتطبيقها وارد، متى ما تمّ تبادل البيانات الرقمية للاحتياجات ونوعياتها بين المؤسسات الحكومية، بما يخدم الصالح العام.

 

لهذا نرى من الضرورة للموظف تجويد العمل والسعي لتحقيق أكبر قدر من العطاء خلال ساعات العمل الرسمية فهذه الساعات الثمانية كفيلة بتحقيق الكثير من الإنجازات فقط علينا أن نحارب الترهل الذي أفقدنا الكثير من التميز في واجبنا الوظيفي.