صحار.. بوابة الشرق

 

حميد بن مسلم السعيدي

تُعتَبر مدينة صحار أهم الحواضر العُمانية من الناحية الجغرافية والتاريخية على مدى العصور الماضية وحتى وقتنا الحاضر، وقد اكتسبت هذه المدينة العريقة هذه الأهمية نظراً لموقعها الإستراتيجي على بحر عُمان وإطلالتها على أهم طرق الملاحة البحرية في العالم، والتي تربط بين الشرق والغرب، ولا ريب أن تكتسب هذه المدينة أهمية عالمية في التاريخ القديم والحديث، وأن تقوم بدور تاريخي مشرف للحواضر العُمانية؛ لذا تعرضت للاحتلال الخارجي على فترات مُتعاقبة من القوى العظمى في تلك الفترات التاريخية رغبة منهم في الاستفادة من إمكانياتها الجغرافية في التحكم في التجارة العالمية.

وعرفت صحار منذ القدم بنشاطها التجاري، فقد اشتهر ميناؤها بالتصدير والاستيراد من مناطق مختلفة من العالم منها الهند والصين وأفريقيا، كما اشتهرت بتصدير النحاس إلى حضارات بلاد الرافدين ونسب إليها تسمية عُمان قديمًا "مجان"، ووصفها الكثير من الجغرافيين والرحالة الغربيين والأجانب بأنَّها ذات موقع متحكم في العالم، حيث قال ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان "صحار قصبة عُمان" ، وزارها  المقدسي " في القرن العاشر الميلادي ووصفها بأنّها بوابة الشرق وقال "صحار هي مدخل الصين ومخزن العراق والشرق ومعبر اليمن"، وكذلك قال عنها الاصطخري في كتابه (المسالك والممالك) " بأنّه لا يمكن أن توجد على الخليج ولا في بلاد الإسلام مدينة أكثر غنى وجمالاً من صحار"،  وقال عنها الفارسي صاحب كتاب (حدود العالم) إنّها سوق الدنيا كلها، ليس في الدنيا مدينة تجارية أكثر مالاً من تجَّارها، تجارات الشرق والغرب والجنوب والشمال تُجلب إليها أولاً ومنها تُحمل إلى سائر الأماكن، واشتهرت صحار بالعديد من العُلماء والمؤرخين والأدباء في مختلف المجالات، فكانت حاضنة للعلم والمعرفة، كما لعبت صحار دوراً هامًا في التاريخ العُماني فقد تمكن الإمام أحمد بن سعيد والذي كان واليًا عليها من طرد الفرس من السواحل العُمانية انطلاقاً منها، وكان ذلك بداية بزوغ فجر دولة البوسعيد والتي شهدت خلالها عُمان أزهى عصورها التاريخية، والتي امتدت حتى يومنا هذا في ظل حكم جلالة السُّلطان قابوس بن سعيد -حفظه الله ورعاه-.

وتحتل صحار موقعاً إستراتيجياً على بحر عُمان لأنّها تشكل ميناءً عالمياً يربط بين الموانئ الخليجية وموانئ الهند والصين وسواحل شرقي أفريقيا، وقد أشاد الكثير من الجغرافيين بهذا الموقع وأهميته في التحكم والسيطرة في التجارة العالمية، واليوم تستغل الحكومة هذا الموقع الجغرافي في إقامة أكبر الموانئ العُمانية رغبة منها في الاستفادة في مجال التَّبادل التجاري، كما اهتمت بإقامة المنطقة الصناعية لتمثل الظهير الاقتصادي الذي يدعم الميناء التجاري والصناعي، خاصة وأنّها تمثل المدينة الإدارية لأكبر التجمعات السكانية في السلطنة وهي محافظة شمال الباطنة، إلى جانب الاهتمام بالنقل الجوي بإنشاء مطار صحار، مما يحقق التكامل في وسائل النقل والتي تسهم في عملية التبادل التجاري، فكل هذه المنشآت أسهمت في تكامل البنية التحتية وجاهزيتها لتستعيد صحار مجدها التاريخي.

وبالرغم من كل الجهود التي تبذل في هذا المجال، إلا أنّ هذه الموانئ لم تتمكن من المساهمة في الدخل القومي حيث أشارت بعض الإحصائيات إلى أنّ حجم التناول فيها وصل إلى خمسة ملايين حاوية في العام الواحد، وهذه نسبة أقل من 1% من حجم التناول العالمي، كما أشارت بعض التقارير إلى أنّ السلطنة تحتل المرتبة (62) وفق تقارير التنافسية في تقديم الخدمات اللوجستية، وهذا الإحصائيات لا تعكس حجم الاستثمار في هذا القطاع، والذي يتجاوز عشرات المليارات التي تضخ في تطوير هذه الموانئ وتوفير البنية التحتية والخدمات والمناطق الصناعية المرافقة لها، خاصة وأنّ هناك العديد من التحديات التي ما زالت تعيق العمل الاقتصادي، فهناك حاجة ملحة لإقامة خطوط السكك الحديدية والتي تسهم في الربط بين الموانئ العُمانية الرئيسية كميناء صلالة وميناء الدقم وميناء صحار، وإقامة هذه الشبكة تسهم في سرعة الحركة الاقتصادية وتشجع على الاستثمار الأجنبي، إلى جانب الحاجة إلى إقامة ميناء بري في محافظة البريمي الحدودية والتي تربط السلطنة بدول الخليج العربي، فإن إعادة التفكير في هذا المشروع الحيوي يسهم في تسريع عملية النقل البري، هذا إلى جانب الحاجة إلى تطوير العمل الإداري والقرارات التنظيمية والاستعانة بالخبرات التقنية في تسريع إنهاء المعاملات والإجراءات الإدارية، وتعديل القوانين التي تنظم رسو السفن والتي أصبح بعضها لا يتوافق مع عملية التبادل التجاري، والعمل على مكافحة البيروقراطية التي تمارس من بعض الإداريين والتي تشكل عائقا كبيرا أمام المستثمرين، وتطوير منظومة المناولة في الموانئ العُمانية التي تُعاني من البطء في عملية رسو السفن، وإقامة المناطق التجارية الحرة، والإعفاء من بعض الرسوم التجارية، العمل على رفع روح الحس الوطني لدى العاملين، من أجل تقوية ضمائر الأمانة والإخلاص من أجل عُمان.

 واليوم يقع العبء الأكبر على الشباب العُماني للمشاركة في مسيرة البناء، من خلال الانخراط في العمل التجاري والصناعي والقيام بدور في ممارسة هذه الأنشطة المختلفة، خاصة وأنّ الحكومة لا تدخر جهداً في تقديم الدعم للراغبين في الاستثمار في القطاعات الاقتصادية المختلفة، فتكامل كل هذه الإمكانيات المُتعددة يتيح فرصاً عديدة للاستثمار المحلي، خاصة وأن أجدادنا لعبوا دوراً هاماً في التجارة العالمية انطلاقًا من الموانئ العُمانية فوصلوا إلى ميناء كانتون في الصين وارتبطوا بعلاقات تجارية مع الموانئ الهندية واستوردوا السلع من سواحل شرقي أفريقيا وأعادوا تصديرها انطلاقاً من الموانئ العُمانية، لذا نجد أن كل العوامل المؤثرة في نجاح أي استثمار اقتصادي متاحة، فكلنا أمل أن تصبح بوابة صحار مدخلاً للتجارة العالمية في المدى القريب.

 

Hm.alsaidi2@gmail.com