الإجازات والنهوض بالاقتصاد الوطني

 

 

زينب الغريبيَّة

دارتْ حوارات ونقاشات كثيرة خلال السنوات الأخيرة حول الإجازات في بلدنا، وانقسم الناس بين مُؤيد ومُعارض لتمتع الناس بإجازات طويلة؛ فالمؤيدون لها كان مُبررهم اجتماعيًّا حيث تتيح الإجازات فرصًا أكبر لتجمُّع أفراد الأسرة الصغيرة، وتمنحهم فرصًا لتعزيز ارتباطهم بأسرهم الكبيرة، سيما في ظلِّ تعقد الحياة، وتباعد الأسر عن بعضها البعض. أما المعارضون لها فكانت وجهة نظرهم اقتصادية؛ حيث حذَّروا من عواقبها على الاقتصاد الوطني؛ فهي تقلل من أيام العمل، وتُضعف الإنتاجية، وتُقلِّل من دافعية الناس لأداء أعمالهم، ويعُوْد مثل هذا الجدل إلى الظهور مع كل إجازة، والسؤال الذي أودُّ طرحه في هذا المقال: هل الإجازات تقود إلى الإضرار بالاقتصاد الوطني، أم النهوض به؟

أودُّ مُناقشة هذا السؤال بعد إجازة عيد الأضحى التي كانتْ إلى حدٍّ ما طويلة، مقارنة بما سبقها من إجازات خلال العام الماضي، وسوف أناقش هذا السؤال من خلال فيلم وثائقي شاهدته أثناء إجازة العيد عن العطلات عند اليابانيين، فيلم يُظهر أنَّ موضوع الإجازات موضوع على قدر كبير من الأهمية، ويتطلَّب دائمًا فكرا يابانيا في التعامل معه؛ لأن الفكر الياباني هو فكر نهوض وتقدُّم وعمل، ولن يسمح بأي شيء يؤثر على مثل هذه القيم والمبادئ، وربما يعتقد كثيرون أنَّ اليابانيين من أنصار الإجازات القصيرة، بل إنَّ شعباً أنجز كل هذا التقدم التكنولوجي لا وقت لديه للتمتع بالإجازة، وأن إيمانهم بالعمل وتقديسه لن يجعلهم ينتهكون حرمة المقدس في سبيل التمتُّع بشيء غير مقدس، ومثل هذا الاعتقاد نعم صحيح وهو ما أظهره هذا الفيلم الوثائقي حيث أجاب أحدهم حين وجه له سؤالاً عن أطول إجازة أخذها في حياته "بأنها ثلاثة أيام"، في حين أجاب آخر بأنه يشعر بالخزي حين يأخذ إجازات أطول من إجازات أطفاله الذين يقضون معظم السنة في المدارس، وحين يخرجون في إجازة نهاية العام يطلب منهم إنجازَ واجبات منزلية، لكن: هل كان هذا التوجه إيجابيا في بلد مثل اليابان؟ هل خرج نفر منها يؤيدون ذلك ويحذرون من الإجازات؟

قد يشعُر البعضُ أنَّ مُعتقداته غير صحيحة؛ فاليابان عانت اجتماعيا واقتصاديا من قصر الإجازة، وعدم رغبة الناس في أخذها، هذه الآثار قادتْ إلى كساد اقتصادي في مجال السياحة مُتمثلة في الفنادق، والحدائق، والمتنزهات، وقادت إلى ضعف ارتباط اليابانيين بتاريخهم وتراثهم؛ حيث قلَّ عدد الناس الذين يذهبون للمتاحف، والقلاع...وغيرها من الأماكن، كما ظهرتْ آثارٌ اجتماعية ونفسية في ظل العمل المستمر الذي لا يتيح للأسرة الخروج في إجازة مشتركة مع بعضها البعض؛ لذا قررت اليابان مواجهة هذا الواقع من خلال الترويج للإجازات، وحث الجميع على الخروج في إجازات أطول؛ من خلال زيادة عدد الأيام ومنح علاوة للذين يخرجون في إجازة، وبدأت شركات الترويج السياحية تصميم عطلات تُلائم مُختلف الفئات من كبار السن والأسر مع الأطفال، وحين تكون الحركة ضعيفة في منطقة من أنحاء اليابان يتم تصميم عروض سياحية تنهض بها، هذه التوجهات انعشت قطاع السياحة وحركة الحياة الاقتصادية، وجعلتهم أكثر احتكاكا بثقافاتهم، وعاداتهم وتقاليدهم ومأكولاتهم التقليدية.

وإذا عُدنا لإجازة العيد الطويلة من وجهة نظر البعض، نجد أنها حرَّكت الاقتصاد الوطني، وقادت خلال أسبوع إلى حركة شرائية كبيرة، وإلى حركة سياحية غير مسبوقة سواء قام بها المواطنون أم الأجانب الذين عبروا الحدود خلال إجازة العيد، كما منحت الإجازة فرصة للتواصل الاجتماعي لمكونات المجتمع المختلفة، بل إنَّ هناك أناسًا لا يتواصلون إلا في مناسبة العيد، كما عمَّقت من الارتباط بالتراث والعادات العمانية والتي تم نقلها عبر شبكات التواصل الاجتماعي؛ مما يجعل الجيل الصغير يعي هذه العادات ويعتز بها، لذا نحتاج قليلا لمراجعة الطروحات السابقة بشأن الإجازات خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية؛ فالإجازات توفر منافع اقتصادية، بينما وجود الموظفين في مؤسساتهم بدون عمل إلا من الإجازة الأسبوعية يقلل من تلك المنافع الاقتصادية.

فحين لا ننظر للموضوع من زاوية الضرر المباشر، ونقيس ذاك الضرر بما تحقق من مكاسب موازية، سنصل إلى وفاق في فوائد الإجازة اقتصاديا واجتماعيا.