أزمة صناعة الرياضة العربية

 

عبيدلي العبيدلي

توزعت عواطف المشاهد العربي وهو يتابع تغطيات القنوات الفضائية وقائع أولمبياد ريو 2016 بين متعة مشوبة بأعجاب من مستوى أداء الرياضيين فرقا وأفراد في مختلف المسابقات، والتي كشفت عن جهود مضنية بذلتها دولهم من أجل إبراز أسماء تلك الدول وحصد أكبر عدد من الميداليات من جانب، وحسرة مشوبة بما يشبه الإحباط جراء تردي أداء الفرق العربية وضآلة عدد الميداليات التي نالتها تلك الفرق.

وبموجب أرقام احصائيات موقع فضائية "روسيا اليوم" (RT)، تصدرت البحرين التي جاء ترتيبها 84 عالميا، القائمة العربية بميداليتين ذهبية وأخرى فضية. وبلغ اجمالي الميداليات العربية، بما فيها تلك التي نالتها البحرين 9 ميداليات بين ذهبية وفضية وبرونزية.

ولمعرفة المستوى العربي مقارنة بدول أخرى، يمكن الإشارة إلى ما حصدته دول أخرى، ليست العظمى من بينها، مثل كوريا الجنوبية التي نالت 21 ميدالية وحلت في المركز الثامن، وكوبا في المركز 18، بحصولها على 11 ميدالية من بينها 5 ذهبيات، وصربيا في المركز 32 بثمان ميداليات من بينها ذهبيتان.

هذه الصورة تعكس أزمة حقيقية تعاني منها الرياضة العربية، وهو أمر شخصه فريق علمي من جامعة الملك سعود بالرياض جاء فيه "من خلال متابعة الرياضة العربية ومقارنتها بالإنجازات المتسارعة في الدول المتقدمة، يتضح أنها مازالت في أزمة تفرض نفسها على الساحة الرياضية وتحول دون وصولها إلى العالمية. لذا فإن التعرف على المعوقات المؤدية لهذا الوضع، وإيجاد السبل المبنية على أسس علمية لتطوير الرياضة العربية، يفرض نفسه كأحد الحلول العلمية للنهوض بالرياضة العربية والوصول بها إلى مصاف الرياضة العالمية".

وعند تناول موضوع واقع الرياضة العربية، ينبغي التأكيد على مجموعة من المسلمات التي باتت تفرض نفسها على المشهد الرياضي، يمكن سرد الأهم منها في النقاط التالية:

  • لم تعد الرياضة مجرد هواية يمارسها شخص معين في الألعاب الفردية، أو مجموعة في المباريات الجماعية، بل أصبحت فنا راقيا له قوانينه ومقاييس أدائه التي تدرس في الجامعات والمعاهد المتخصصة. هذا يجعل حصة المهارات البدنية والذهنية الذاتية صغيرة مقارنة مع تلك التي يتم اكتشافها في مراحل مبكرة كي يتسنى رعايتها، وصقلها، وتنميتها. وفي نطاق العناية المطلوب توفرها لبناء الرياضيين يقول الباحث يوسف الشريف، مستلهما التجربة الصينية "لقد أثبتت دراسة صينية، أن الفوز بميدالية ذهبية يحتاج 2.5 مليون دولار تُصرف على اللاعب منذ ولادته، والعبرة هنا ليست بالمبلغ الضخم الذي خصص لتكوين اللاعب، إنما العبرة من هذا، هو الإشارة إلى أن الرياضة صناعة وخطة وطنية، فهل بلداننا العربية صرفت هذه المبالغ على أبطالنا؟، أم هم نتاج اجتهادات شخصية وفردي".
  • تمأسست الرياضة يما فيها تلك الفردية، وأصبحت اليوم تخضع لقوانين عالمية صارمة تفرض نفسها على المسابقات الوطنية، إن هي شاءت أن تكون جزءا من المنظومة الرياضية العالمية. وتشكلت بمقتضى ذلك مجموعة من المؤسسات العالمية مثل "الفيفا"، انتزعت اعترافا دوليا، وأخذت على عاتقها مسؤولية القيام بكل ما من شأنه تنظيم مسابقات لعبة كرة القدم، على المستويات القطرية والإقليمية. وفي سياق الدعوة للمأسسة، هناك مساهمات لتعزيز هذا الاتجاه. فعند تشخيص الواقع الرياضي في المملكة السعودية يتلمس أحد الرياضيين حاجة "قطاع الرياضي في المملكة الماسة إلى منتدى محلي يكون الأول من نوعه، منتدى يركز أجندته حول تطوير المجتمع الرياضي عبر قواعد المعلومات والبيانات الرياضية المنبثقة من الأحداث الرياضية المختلفة، وسبل خلق فلسفة حديثة من خلال التكنولوجيا المتنوعة، وتوظيف القيمة الإضافية التطويرية لغاية خلق مجتمع رياضي ذي تنمية مستدامة".
  • تطورت الرياضة، بما فيها المسابقات الأولمبية، لترقى إلى مصاف الأنشطة الإنسانية الأخرى، فأصبحت صناعة قائمة بذاتها، لها طرقها وأساليبها، بل وحتى نفقاتها ومداخيلها. هذا ما يشير له تقرير أعدته شركة ديلويت للاستشارات المالية، ونشره موقع "دوت نت" الإلكتروني. مما جاء في ذلك التقرير، "أن الرياضة تساهم بنحو 1.1 مليار دولار سنويا في الإنفاق المباشر باقتصاد دبي. وإن أنشطة اقتصادية غير مباشرة، تولد 627 مليون دولار إضافية من بينها إنفاق الموظفين بقطاع الرياضة في الإمارة."
  • ووفقا لأرقام تقرير آخر أعدته شركة يوروبيان انترناشونال دبي التي تعتبر أحد أكبر الشركات السياحية في دبي، "فإن رياضة الجولف هي أكبر مساهم بين رياضات متنوعة، تستضيفها دبي حيث بلغت مساهمتها 270 مليون دولار منذ بداية  عام 2015". وف الاتجاه ذاته، يؤكد صفاء فيصل على موقع هيئة الإذاعة البريطانية الإلكتروني "لم تعد كرة القدم مجرد لعبة بل أصبحت الصناعة التي تتحكم فيها صناعة معقدة تعتمد على عناصر عديدة بداية من مبدأ العرض والطلب فيما يتعلق بالمواهب في صفوف الناشئين من اللاعبين الموهوبين، وانتهاء بعمليات "قرصنة" واختطاف اللاعبين من نادي إلي آخر."

في ضوء كل هذه المقدمات، ندرك أن الرياضة العربية تعاني من أزمة خانقة، وإذا أريد للرياضة العربية أن تتقدم، وأن تحتل المكانة التي يتمناها لها المواطن العربي، لا بد من الانتقال بها من الحالة العشوائية التي تعيشها اليوم، إلى تلك المنظمة التي باتت تأخذ بها الأمم المتقدمة القادرة على التفوق في المسابقات الدولية.

بات مطلوب من القائمين على الرياضة في المنطقة العربية للخروج بها من أزمتها الراهنة، فهم زوايا مثلثها القائم على: الاحترافية، والمأسسة والتصنيع.