التربية البيئية.. مسؤولية من؟!

 

سيف المعمري

خلال الأيام الماضية كثر تداول الصور ومقاطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي والتي تبرز وجود قضيّة بحاجة ملحة إلى أن يتم وضعها في دائرة الضوء والمتمثلة في رمي القمامة في المسطحات الخضراء بمحافظة ظفار خلال موسم الخريف لهذا العام، وإن كان رمي القمامة لم يقتصر على موسم الخريف ولا حتى في محافظة ظفار بل هي قضية – للأسف الشديد- تعاني منها معظم الأماكن السياحية والحدائق والمتنزهات في السلطنة، وهي في تنام مستمر.

ولعلّ ما لفت انتباهي من خلال ما تمّ تداوله من صور ومقاطع فيديو حول حجم الضرر البيئي وتشويه للمكان والذي تتركه القمامة على المسطحات الخضراء والأماكن السياحيّة، وترك انطباعات غير لائقة للزائرين من خارج السلطنة، وهي تتبوأ موقعا متميزا من بين دول العالم في الاهتمام بالبيئة وسن التشريعات والقوانين للمحافظة على مكوّناتها الطبيعية.

وما يؤسف حقًا حينما نعلم أنّ معظم تلك الممارسات الخاطئة تصدر من شبابنا ومن بعض الزائرين للسلطنة، وفي المقابل يحملون المسؤولية للمؤسسات الحكومية لعدم فعاليتها في نظافة تلك الأماكن وتخصيص حاويات للقمامة بشكل كاف، وسن التشريعات والقوانين التي تجرم مرتكبي تلك المخلفات، ورفع مستوى الوعي... إلخ.

وخلال مشاهداتي اليومية في المناطق السكنية وفي المواقع السياحية والحدائق والمتنزهات وفي المسطحات الخضراء والأماكن العامة وعلى الطرقات وغيرها من المواقع بمختلف محافظات السلطنة أرى أن المشكلة تكمن في عدم وجود برامج موجهة للتربية البيئية.

وقد تم تعريف التربية البيئية في اجتماع هيئة برنامج الأمم المتحدة للبيئة بباريس عام 1978 بأنها "العملية التي تهدف إلى تنمية وعي المواطنين بالبيئة والمشكلات المتعلقة بها وتزويدها بالمعرفة والمهارات والاتجاهات وتحمل المسؤولية الفردية والجماعية تجاه حل المشكلات المعاصرة والعمل على منع ظهور مشكلات بيئية جديدة.

وكما هو معلوم فمسؤولية التربية تشترك فيها عدة مؤسسات؛ ولعل أولى مراحل التربية تبدأ من البيت ثم المدرسة وكذلك تسهم وسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني وعدة جهات أخرى إلى غرس القيم والاتجاهات الإيجابية والانتماء للوطن وتعديل السلوك وتحمل المسؤوليات الفردية والجماعية في جميع الجوانب الحياتية.

ولكوننا نتحدث عن التربية البيئية ولكون المدرسة هي أهم المؤسسات التربوية التي تستطيع أن تخرج جيلا متعلما وواعيا ومدركا لما له وما عليه، حيث إنّ الطالب يقضي المراحل الأولى من العمر في المدرسة وهي المراحل الأهم في مسيرة حياته، لذا فإنّ بناء القيم والاتجاهات الإيجابية وتحمل المسؤولية تجاه البيئة من حيث نظافتها والاعتناء بمكوناتها لا تحتاج إلى مناهج نظرية وفعاليات وبرامج غير عملية، بل بحاجة إلى واقع يستطيع من خلاله المعلم أن يعدل في سلوك الطالب ويقوّم بناءه المعرفي والقيمي.

فعلى سبيل المثال حين يمضي على مسابقة المحافظة على النظافة والصحة في البيئة المدرسية أكثر من 25 عاما وتعترف وزارة التربية والتعليم بأنّ تحديات المسابقة ليست في مضامينها وأهدافها بل هو التطبيق الخاطئ لها، أليس من الحكمة تشخيص أسباب التطبيق الخاطىء للمسابقة؟ وما مدى فعاليتها إن كان تطبيقها بشكل خاطىء على مدى ربع قرن؟ وهل ما نراه من مشاهد مؤسفة في رمي القمامة - في الأماكن التي تم ذكرها في مقدمة المقال- هي محصلة التطبيق الخاطئ للمسابقة؟ ولماذا التشبث ببقاء المسابقة؟ هل ما ينفق على المسابقة من أموال في تشكيل اللجان والمكافآت والجوائز وحفل تسليم كأس المسابقة بالإضافة إلى ما تنفقه جميع مدارس السلطنة استعدادا للمسابقة يتناغم مع مخرجاتها؟ هل تم التقييم الموضوعي للمسابقة؟ وكيف تم التعامل مع نتائجه؟ ولماذا التذمر المستمر للتربويين من بقاء المسابقة؟ وهل نحن بحاجة إلى المسابقة أم أننا بحاجة إلى تربية سلوكية بيئية؟

وقد عاصرت المسابقة منذ أن كنت طالبا في المراحل الدراسية الأول في بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي ولا أزال، وبالفعل إن المسابقة انطلقت بأهداف نبيلة ومضامين سامية وكانت في بداية تطبيقها رغم بساطتها ولكنها فاعلة وذات أثر مباشر للطالب وللبيئة حيث كنا كطلاب نقوم بنظافة فناء المدرسة والفصول الدراسية ونقوم بإصلاح الأثاث التالف بالمدرسة كما نقوم بطلاء جدران المدرسة وفصولها الدراسية، بل يتعدى ذلك للمشاركة في المعسكرات لتنظيف الأفلاج والمساجد والأماكن العامة، وهي ترجمة واقعية للتربية السلوكية البيئية، وكانت كفيلة بغرس حب النظافة والمحافظة على البيئة والممتلكات العامة.

أمّا الآن- فللأسف الشديد- فكل الممارسات السلوكية لتفعيل مضامين المسابقة يتم إسنادها لشركات النظافة وشركات مقاولات البناء والأثاث لإظهار المدرسة بالمظهر المشرق البراق أثناء زيارة اللجنة الرئيسية لمسابقة المحافظة على النظافة والصحة في البيئة المدرسية وبعد خروج اللجنة تعود المياه إلى مجاريها! أليس هذا الواقع الذي تعيشه مدارسنا في كل عام؟

لذا أصبحنا بحاجة إلى وقفة جادة لانتقاء الأنشطة والبرامج التربوية وتفعيل التربية السلوكية البيئية التي تبني في الطالب شخصية متكاملة وواقعية تُكسبه المعارف والمهارات، وتمكين الطالب من أن يصبح فاعلا في مجتمعه متحملا لمسؤولياته، مستشعرا دوره في مواصلة مسيرة البناء.

ولنتكاتف جميعا من أجل تفعيل التربية السلوكية البيئية، وأن يتحمل الجميع مسؤوليته ابتداء من البيت فالمدرسة ومؤسسات المجتمع المدني والإعلام والجهات الأخرى؛ حتى لا تضيع أموالنا وتتناثر أحلامنا.

فبوركت الأيادي المخلصة التي تبني عُمان بصمت...

 Saif5900@gmail.com