أردوغان .. معاوية العصر

علي بن مسعود المعشني

سر الافتتان اليوم برجب طيب أردوغان وتبرير جميع خطاياه تجاه الأمة العربية عبر سوريا، بزعم ما أنجزه من تنمية في وطنه، لا يمكن تمريره على عقل سوي دون التَّعرض للموروث التاريخي المُتناسل وخصوصًا الحقبة الأموية والتي يمكن اختزالها في الرواية التاريخية الحقيقية التالية: "أشار أحدهم إلى قبر وسأل عن صاحبه؟ فأجابه آخر بجواره: إنّه قبر الصحابي الجليل حجر بن عدي (رضي الله عنه)، قتله (ذبحًا) الصحابي الجليل معاوية بن أبي سُفيان (رضي الله عنه) لأنه كان من أنصار الصحابي الجليل علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)".

هذه الواقعة والرواية تختزل جميع معاناة الإسلام والمُسلمين من تخلفٍ وعقلية قطيع وحصار عقل منذ العهد الأموي ولغاية يومنا هذا، حيث لم يجمع عقل سوي ولم يساوي عبر التاريخ البشري بين جلاد وضحية ومقتول لأجله إلا في عقل المسلم المسكين منذ عهد بني أمية ولغاية اليوم، طالما الجميع تحت مظلة الصحابة والجلال ورضى الله وكل مافعلوه وأقترفوه من أفعال مدانة وسلوكات مشينة هي مجرد اجتهادات خاطئة !!

اليوم يبعث الأمويون الجُدد بتاريخ أسلافهم برئاسة زعيمهم أردوغان والنتيجة الجاهزة لتمرير خطاياه هي إعماره لبلاده وتنميتها وبالتالي يحق لأردوغان ما لا يحق لغيره تمامًا كأمراء المؤمنين من قبله وممن سبقوه بإفساد إلى يوم الدين.

خوفنا ليس من أردوغان بل خوفنا عليه فكثير من الفقاعات والظواهر الصوتية في التاريخ مرَّت مرور الكرام قبله وبعده وطواها النسيان دون طقوس أو مراسم، فالرجل تحت تأثير كبتاجون السُلطة والاستقواء بحلفاء وهميين سريعي الذوبان والتبخر في الظروف الحالكة وتحت تأثير المُطبلين ممن يعتقدون ويؤمنون بأنَّ ما أمنه أردوغان لشعبه من العلف يُغني عن الشرف.

لهذا فلا بأس من وجود (100) ألف عاهرة في بلاد خليفة المُسلمين وحامي حمى الدين تتاجر بعرضها لكسب عيشها وبترخيص وإشراف من الدولة، ولابأس من السماح بزواج المثليين ومنح حقوق للشواذ، ولابأس من عقد صفقات ومصالح إستراتيجية مع أعداء الملة والدين، ولابأس من أن تسبح البلاد في نظام مالي ربوي، ولا بأس من مجاورة الجامع بالخمارة، ومعانقة الهلال والصليب ونجمة داؤود في سماء دولة الخلافة، فكل شيء مُباح ومبرر طالما توفر العلف وزادت وتيرته.

أكاد أجزم بأنَّ الانقلاب الأخير – رغم كل اللغط والتفاصيل - يحمل في طياته رائحة الضمير التُركي والشرف التركي اللذين أهدرهما أردوغان وحزبه طيلة 12 عامًا من حكمهم حيث ذاق الأتراك مرارة الديمقراطية المُنفلتة والتي اتبعها أردوغان وحزبه لتفكيك الدولة وموروثها العلماني وإحلال دولتهم التي لا طعم ولا رائحة ولا لون سوى خدمة النجم الأوحد وسوبرمان العصر أردوغان.

من الطبيعي أن يقوم الجيش التركي بانقلاب على فلتات أردوغان وتجاوزاته الخطيرة وسعاره للسُلطة وسلم المجد بأيّ ثمن، وليس من الطبيعي صمته المطبق وتفرجه بزعم قيم الديمقراطية، فالجيش في أيّ بلد هو حامي البلاد والدستور، وحماية البلاد والدستور تعني التصدي للمخاطر الداخلية والخارجية، وفي دولة فتية وناشئة على صعيد الديمقراطية الليبرالية كـتركيا، لا توجد مؤسسة عميقة وازنة سوى المؤسسة العسكرية لإعادة الأمور إلى نصابها، فتلك هي الجراحة الضرورية الأليمة.

لابد لنا أن نتساءل: هل ماحدث في تركيا هو انقلاب على منظومة حكم أم على الديمقراطية؟! فإذا سلمنا وتبيَّن لنا بأنَّ الانقلاب على منظومة الحكم فهذا يعني ضلوع الجيش فيه، أما إذا سلمنا وتبين لنا بأن الانقلاب على الديمقراطية، فهذا يعني ضلوع أردوغان وحزبه في خلق انقلاب يوفر لهم ذريعة الانقضاض والإجهاز على تركيا التاريخية وبناء الدولة الأردوغانية التي لم تتشكل أو تتضح هويتها بعد رغم طقوس ومظاهر الإسلام هنا وهناك.

صحيح أنَّ أردوغان عبث بالثوابت وأقحم نفسه كبندقية للإيجار لدعم الإرهاب وتدمير سوريا خدمة للكيان الصهيوني، وقلب نظرية صفر مشاكل إلى سلة مشاكل وانتقم من العمق الإستراتيجي وعاداه (روسيا، سوريا، العراق، إيران، مصر، أرمينيا) وبالتالي أفقد بلاده الكثير من عناصر القوة والتأثير والمناعة دون مُقابل.

الأمر الذي قد يُبرر قيام الجيش بانقلاب يُعيد النصاب والصواب لتركيا لتتصالح مع ذاتها وتاريخها وجوارها، ولكن ما سبق الانقلاب من ترتيبات خارجية مفاجئة وغير متوقعة من حكومة أردوغان يُوحي بأنَّ في الداخل ما يستحق المواجهة ويستدعي إغلاق أو تهدئة جبهات خارجية مفتوحة مع الروس وسوريا وإيران والعراق.

فالإعلان عن اعتذار تركيا لروسيا عن إسقاط طائرتها وقتل طيارها بعد شهور من العنتريات والمراوغة، ثم إعلان تركيا وعلى لسان رئيس وزرائها بن علي يلدريم بضرورة إقامة علاقات "طبيعية" مع سوريا والعراق، بالتزامن مع عودة العلاقات الطبيعية مع الكيان الصهيوني، ثم يأتي الانقلاب فجأة بعد ما يمكن أن نسميه بالواقعية السياسية أو صك الغفران السياسي لتركيا للتصالح مع الذات.

مجرد توجيه الاتهام المُباشر للداعية فتح الله كولن بضلوعه في عملية الانقلاب وبهذه السرعة والاعتقالات والتسريحات العبثية التي طالت عناصر مهمة من المؤسسات العسكرية والأمنية والقضائية والإعلامية والأكاديمية ثم إعلان حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر، توحي جميعها بأنّ هناك ما كان يُعد في الخفاء لتمكين دولة أردوغان من التموضع بارتياح في مفاصل الدولة التركية.

يعتقد أردوغان بأنّ تقاربه من الكيان الصهيوني سيفتح له أبواب الكبار في موسكو وواشنطن، لتميز علاقاته بالأولى ونفوذه في الثانية. كما أنّ فتح الباب مع دمشق تحت شعار عدو عدوي صديقي، سيسمح للبلدين بالتعاون الميداني المباشر ضد داعش وأخواتها ونشاط الأكراد ومطامحهم في شمال سوريا.

بالمعايير الديمقراطية فإنّ الداعية فتح الله كولن مُعارض لأردوغان وسياساته وليس معارضًا لبلاده تركيا، وبالتالي فلاحجة قانونية أو أخلاقية لسعار أردوغان ضده ومصادرة نفوذه وملاحقة أنصاره بزعم الضلوع في الانقلاب الأخير.

أردوغان يعلم بأن ظاهرته في الداخل أقل بكثير من ظاهرته في الخارج، بدليل نتائج الانتخابات الأخيرة والتي لم يُحقق فيها الأغلبية إلا في الجولة الثانية وبعد جهود حثيثة لفرق الدعم الأمريكية الساهرة على حملته الانتخابية من خبراء الانتخابات والرأي العام، إضافة إلى الضغط الأمريكي على الداعية كولن للتخفيف من تحريض أنصاره في الداخل ضد أردوغان وحزبه، كما أنّ قانون الانتخابات التركي منح أردوغان فرصة ذهبية لحصد أصوات الخصوم بلاعناء، حيث يسمح القانون بإحالة أصوات الأحزاب المُتعثرة في المرحلة الأولى (التي لم تحقق نسبة 10%) للحزب أو الأحزاب التي تجاوزت تلك النسبة من الأصوات، وفي المجمل فإنّ أردوغان محظوظ جدًا لتواجده في زمن فيه المعارضة التركية أوهن من بيت العنكبوت.

تفنن أردوغان في توزيع عداءه على جبهات عديدة في الداخل، أخطرها مع الجيش والقضاء والإعلام، فما قام به بلطجية حزب العدالة والتنمية تجاه أفراد الجيش من إهانات وتجاوزات وهدر كرامة بزعم حماية الديمقراطية، لا يمكن أن يمر مرور الكرام دون عقاب أو ثأر مهما طال الزمن. فعقيدة العسكري وكرامته حين تهدران يستحيل رد اعتبارهما أو جبرهما بسهولة، من هُنا يمكن القول إن أردوغان قرر نحر نفسه أو نحر الجيش التركي فلم يعد الزمن يتسع لكليهما.

ويستمر مسلسل خطايا أردوغان والتي يطلق عليها أتباعه بالاجتهادات بزعم أنّه نهض بتركيا بأموال استثمارت أمريكية صهيونية تبلغ نسبة 70% تتدفق في شرايين الاقتصاد التركي في تجلٍ واضح للرأسمالية المنفلتة، مع اقتصاد يعتمد على الخدمات بالدرجة الأولى كالسياحة والعقار والاتصالات والزراعات الموسمية وسينهار كل هذا الحلم في لحظة قرار المستثمرين الصهاينة سحب رؤوس أموالهم من تركيا لنهاية وظيفة السوبرمان أردوغان والتوجه لأسواق أخرى واعدة أو عميلة وكما حدث للنمور الآسيوية عام 1997 هنا فقط سينكشف لأتباع أردوغان بأنّه كان الرئيس الذي يعبد الله ويصافح الشيطان.

قبل اللقاء: "من المُستحيل أن تقنع الذباب بأنّ الزهور أجمل من القمامة" وبالشكر تدوم النعم.