من صُور إلى الهند

عزيزة راشد

كانتْ العاصفة هوجاء في تلك الليلة، والمطر عاصفًا بالسفينة وهي تعبُر بهيم الليل، كان كاوان يبدو عاليَ الهمة أمام بحَّارته الذين يستبسلون في رفع أشرعة السفينة التي ودَّعتْ ميناء صور باكرا، وأطلقت العنان لأحلام كاوان بأن تبحر في تحدٍّ عبر المحيط الهندي، حاملة معها اللبان العُماني والجلود والصمغ والخيول التي أتت من ظفار التي كانت تسرح فيها الخيول في عنفوان وقوة استمدتها من قوة الإنسان العُماني والأرض الشامخة عبر القرون.

انجلتْ السُّحب أخيرا، وأشرقت شمس يوم جديد، لم ينم كاوان ليلته؛ إذ إنَّ العاصفة كادت أن تدمِّر حمولة السفينة وأنهكت البحارة الذين ناموا بعد ليل طويل من الأرق والتعب، في انتظار وجبة الغداء بعد ذلك من المالح الصوري والتمر السمائلي ومياه تنوف العذبة، أصبحت السواحل الهندية قاب قوسين من السفينة، فرح كاوان برؤيته البر الهندي بعد أن قضى شهورًا على السفينة في الطريق من صور إلى الهند .

كانتْ الطائرة تشقُّ طريقها عبر الغيوم والأمطار، تمخر عباب السماء إلى أن بدا الساحل الهندي المترف بالخضرة والجمال، في رحلة عَبْر 4 ساعات فقط، من مسقط العامرة إلى الهند العريقة، حطَّتْ الطائرة ومعها تحط ذكريات العُمانيين التي لا تنتهي مع الهند العظيمة في علاقة بدأت منذ القرن الثالث قبل الميلاد.

طالما كانت الهند العظيمة كريمة مع كلِّ من زارها أو استعمرها، فمن أرضها الخصبة بكل خيرات الدنيا كانت تُصدِّر البهارات إلى أوروبا عبر احتلال بريطاني دام 150 سنة، أسمت بريطانيا العجوز نفسها الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، فأينما أشرقت الشمس كانت تشرق على أراضي بريطانية، غير أنَّ الدول -كما ذكر ابن خلدون في كتابه "المقدمة"- تمر بثلاث مراحل؛ هي: الطفولة، والشباب، والكهولة، ثم يصيبها الوهن وتضعف وتتفكك، ولكنها لا تموت، ثم تعود مرة أخرى إلى الحياة بقوة وتبدأ مرحلة طفولة جديدة.

ومن هنا، وعبر شؤاطى الهند العريقة؛ حيث أزلجت السفينة "سلطانة" التي أمر ببنائها السيد سعيد بن سلطان عام 1833 لتنضم إلى أسطوله القوي الذي كان أعظم أسطول في العالم، من هنا لا يزال العُمانيون يزورون بلادًا كانوا فيها تجارًا ودعاة وناشرين معرفة وعلم وسلام.

[email protected]