يا أيها الملأ أفتوني ...

هلال بن سالم الزيدي

ما بين سلوك التوقع والاختلاف علاقة تصب في وعاء الإثارة والتضاد بدواعي التعبير والإفصاح عن الرأي تحت إطار حرية الكلام في مجتمعات تُريد أن تفضفض لتفرغ ما لديها من توقعات خالفت الواقع، لأنّ سقف التوقعات كان مرتفعا دون مُبرر، لأن صاحبه أراده هكذا.. فينتشي جذلا ململما شتات خيبة التوقع لديه فيطفق همساً وضربًا في لوحة المفاتيح المفضية إلى عالم جوجل المتضاد حتى في بياناته التي تحتاج إلى تحديث؛ فينعق ويصعق ويبصق ويرعد حتى يزبد فينسخ ويلصق دونما وعي، فقط من أجل أن يُبين لفئة أو مجموعة أو ربما مجتمع ـ تشده الحياة ـ تحليلاته المبنية على علم ومعرفة.. هنا تساورني الشكوك بأننا نعيش على حافة الإفلاس مع وجود هذه الوفرة من المُخططين والمحللين وأصحاب الرأي .. لأننا كلنا نعرف كل شيء حتى اللاشيء "نفسها" نعرفها .. لذلك ومع التهاوي الحاد لأسواق النفط وتأثيراته على دول "الرفاه النفطي"؛ وتخلي الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس عن الاتحاد الأوربي باستفتاء شعبي يحترم المواطن قبل قيمة "الجنيه الإسترليني"، ـ وهنا رسالة بلا عنوان للعالم حول كيفية المشاركة الديموقراطية ـ .. أقول ومع هذه الأحداث التي جاءت مفصلية في تغير مؤشرات الأسواق ولا سيما الخليجية فإن هناك من غرد وحلل وبلل وأرغى فتموضع واصطنع المعرفة وقال ما لا تقله العرب منذ نشأت عروبتها وهنا أيضاً يتضح بأننا أصحاب علم ودراية..ونستطيع أن نفتي قبل أن نستفتى.

وعلى ذكر الفتوى فإنّ الأجفان تثقل لتغمض وتنام لترى الرؤى .. يا أيها الملأ أفتوني في جمل حمل برميل ومشى حافياً على فراش أسود فبينما كان يتهاوى من سمنته التقمته وحوش عجاف.. وكذلك فتيات خُضر فاتنات بدأها الهيف من قممها وأسفلها مناشير تقضي على نضارتها.. أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون وتفندون..

نعم إنها الرؤيا التي عدّها البعض أضغاث أحلام وعلينا ألا نُحدّث بها.. فيما التزمت فئة الحياد في تفسيرها : "ما نحن على تأويل الرؤيا بقادرين"، أما المخططون والمحللون فبدأوا في تفاسيرهم، فهناك من عد الرؤيا تلفيقاً من خيال لإحداث أمر ما، فيما قال ثُلة: ربما هي استشعار لمستقبل قادم سيقضي على الجمل الذي مشى بين ليلة وضحاها على طريق ممهد وهذا نذير شؤم سيقضي على أيام الرفاهية.. أما أولئك الذين نجحوا في بيع الأمل في أسواق الاختلاف والاختلاق فكان لهم تفسير أقرب أن يكون إلى نظرية النشوء والارتقاء "لداروين" وذلك من حيث التشابه في مسألة التحول من وضع لآخر.. أو أنّ هناك إمكانية أن يتحول الجمل إلى إنسان.

فقالوا: إن الجمل الذي مشى على طريق ممهد ما هو إلا العربي الذي فهم ما على الأرض من خيرات دون باطنها، فعمّر وشمّر حتى تفجّر الذهب الأسود إلى أن سيطرت عليه الشركات العالمية"أصحاب الكروش الساعين إلى العروش" فهي كانت عجاف كونها لا تملك شيئاً "حفاة عراة " أما الفتيات الخضر فهي الرقعة الزراعية المنتشرة والتي عصفت بها المدنية لتتحول إلى مساكن وعمارات شاهقات، والتصحر يقضي عليها كأنه مناشير.. وهنا إشارة رمزية قُصد بها أن الخير موجود إذا ما أحسن التدبر فيه.. قضي الأمر الذي فيه تستفتي.

إن العناوين برهان لما يحمله المحتوى من مضامين فهي في مجملها وأينما كانت وبحسب ما ذكرها الدكتور وليد خالص في مقاله "حينما يغمس المثقف قلمه في الخل" أربع وظائف منها الإغراء والإيحاء والوصف والتعيين، وعنوان المرحلة الحالية بكل ما تشهده من مصاعب ومصائب تفتك بالإنسان هو عنوان لا يشكل إلا وصفا يوحي بشيء من الرمزية إلى أخذ العبرة ويغرينا عندما تنكشف سوءاتنا كيف نواريها بالتكاتف والترابط والتنبه لخيرات لم نحسن التصرف بها.

هناك صورة أخرى جلية تتضح في الرؤيا التي لا زال المحللون يحاولون تفنيدها وهي تلك المتعلقة بالمناشير التي تقضي على نضارة الحياة الخضراء، فالإنسان "المواطن" عندما بدأ قليلاً يتنفس ويدخل في قائمة ذوي الرفاهية، قُلبت عليه الطاولة وقُدم كبش فداء من أجل تحسين الهبوط الحاد الذي أحدثه الذهب الأسود، فكان هو أول المضحى به والمضحين في آن واحد على قول المثل "مجبر أخاك لا بطل" فهو مضحى به عبر تقطيع أواصر المداخيل التي بدأت في التعافي لتلاقي رزمة من المحظورات تمثلت في رفع الدعم لقائمة تطول بدأت بالمحروقات وإيقاف الترقيات ولا تنتهي بإيقاف دعم الكهرباء والماء، وربما الهواء، وعلى الرغم من أن هذه المحنة هي محنة دولية إلا أن تقدير كل دولة يأتي منفردا بحسب الظروف والإمكانات الأخرى، ومدى إنعكاس ذلك على متخذ القرار، لذلك كان "المواطن" هو اللقمة السائغة التي تكف سغب وجوع الانهيارات المالية، مع الابتعاد عن أولئك الذين سددوا نصالهم إلى ثغور الجباية المالية عبر مشاريعهم التي تكومت بحكم مناصبهم، ولم تساورهم نفسوهم بأن يكونوا مضربا للتضحية، لأنّهم عرفوا وتفننوا كيف يختارون ضحيتهم.. "إلا ما رحم ربي".

إن الرؤيا التي أيقظت النائم من سباته لم تكن أضغاث أحلام أو حلماً شيطانياً بقدر أنها مشاهد تترجم ما نحن عليه، فكيف ما كنا يكونون علينا .. فلا يمكن أن نتحدث لمجرد الحديث أو من نافذة التنظير المفضي إلى إعلان عن وجودٍ كالقائل: "إني أسمع جعجعة ولا أرى طحنا"، لذلك على من يساهمون في صناعة قرار مُعين التريث وعدم التسرع لأنّ أحلامهم قادتهم إلى فعل شيء معين.. وكما أن لديكم أحلام هناك "معدم" لديه أحلام، فلا تحلو المشكلة بمشكلة أخرى.. ولا تستنطقوا من لا يعلمون الفتوى بأن يفتوا لكم.. لأن الحلول لا تأتي إلا عبر إجماع الملأ .. "يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون".

همسة:

قال الشيخ أحمد الخليلي: " الخبرة إما أن تُطمر أو تُهجّر. قضي الأمر .

كاتبٌ وإعلامي

abuzaidi2007@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك