دعنا نحلم يا رمضان..

زينب بنت محمد الغريبية

مرحباً بك رمضان، أتيتنا ضيفاً كريماً، نحن سعداء بقدومك..

- ماذا أعددتم لتستقبلوني؟

نحن نحبك كثيرًا، ونسعد بقدومك، نعد لك الكثير لنستقبلك.

- ماذا تعدون لي؟ الأكل؟ المسلسلات التليفزيونية؟ الخيام الرمضانية البعيدة كل البُعد عن معنى وقيم الدين؟ وأسميتموها باسمي!

وكذلك نُقيم الصلوات في المساجد، من تراويح وقيام لاسيما في العشر الأواخر منك، ونقوم بزيارة الأهل والأقارب وأشياء أخرى لن نخبرك بها.

- هل الصلوات وزيارة الأرحام تمحو عنكم ما أنتم فيه من وضع؟! أتيت عليكم يا معشر المُسلمين مشردين مشرذمين، الوحدة شعار تتغنون به في جمعات ومجالس شكلية، والواقع أمرُّ من العلقم، أراني آتي إليكم في زمن أنتم فيه أضعف ما يكون عليه وضع البشر، لا أنتم في قُربة من ربكم وتمسك بما كان عليه السلف، ولا أنتم لحقتم بركب التَّقدم المادي إلا كمُستهلكين. أهكذا كان الإسلام والمسلمون؟ أهكذا ارتضى الله الوضع لمحمد وأمته؟ تمنيت لو أنني لم آتِ لأراكم بهذا الهوان.

لسنا مسؤولين عن هذا يا رمضان فما بأيدينا نحن أن نصنع؟ إنّها لعبة الكبار..

- إنّها حجة الضعفاء، إنها شمّاعة من لا يُريد أن يُغيِّر أو يتغير، يبدو أنكم أحببتم عيش الجبناء، وراء قيود المسكنة.. في الظل، خلف الجدران تحتمون من لفحة أشعة الشمس، التي لو استمرت ستنير العالم حتى لو أحرقت جزءًا منه.

نعلم يا رمضان أنّك غاضب منّا، فنحن أيضًا غير راضين عما نحن فيه، نحن نرى كيف يحترب المسلمون من حولنا، نحن نرى كيف أنّ القتل بينهم أصبح مستحلاً، حتى أنّ تهمة الإرهاب أصبحت لصيقة بنا، أمرنا ديننا أن نتقبل إخواننا من بني البشر من ديانات أخرى فكيف ونحن كلنا مسلمين، وكأننا تعهدنا على أنفسنا أن نأخذ حقوقنا بالقوة، نقوم بالعنف وبه فقدنا أمننا وحرياتنا بل وحياواتنا.

- كيف لي أن آتِ إذن بينكم؟ ولا أرى تلك الوجوه التي كنت أراها؟ ولا أجد الأمن وأنا أتجول بين الطرقات الشام وبغداد وصنعاء، وليبيا وتونس ومصر ولبنان وغيرها..، بل وحتى أمام مساجدكم وضعت حراسة من خوف الدمار والتفجير من أنفسكم، لا أجد سوى جوعى ومُشتتين وضعفاء؟! كيف لي أن أعيش في ديار مُشتتة وذابلة، حتى أني لا أسمع الأذان يرفع في كل المنابر، فهي مهجورة أو مُحطمة! هل لي أن أنسحب وأرحل؟؟

رجاء قف يا رمضان، لا تودعنا أنت أيضًا، كفانا أن ودعنا أشياء كثيرة من حياتنا، وحدتنا وأمننا، حتى أحلامنا في الوحدة والقوة، قف ولا تحرمنا من لحظات تُشعرنا بالطمأنينة ولو لأيام، لحظات نستشعر فيها الأمان الروحاني، وطقوس جميلة تحيي فينا أمل أن الحياة ربما ستأتي إلينا بأشياء جميلة يومًا ما..

- أعلم أنكم لا زلتم على الأمل، وأعلم أنّ الحلم مشروع، ولكنه لابد أن يقترن بالعمل، والبداية قد تكون من الصغير كما تكون من الكبير، كل في حدود صلاحياته، وقدرته على العمل، ومن منطلق دوره الذي يقوم به، إن كان كاتباً أو قاصًا أو معلمًا أو طبيبًا أو رجل أعمال أو سياسي أو إعلامي أو غير ذلك، فلكل شخص أياً كان دور يقوم به من أجل الإصلاح والرُّقي، والعمل نحو الأمام، بالكلمة الطيبة والعمل الصحيح، والإخلاص، والقدوة، ستكونون يومًا ما.. ما رغبتم فيه..

شتاتُ الأمر يدور في حلقات، تبدأ من الأسرة بيننا وتتسع للعمل وتتسع في الوطن الصغير لتكبر في الوطن الكبير، لنجد أنفسنا في تنافر مستمر وكأننا شحنات سالبة تبتعد عن بعضها، نعدك أن نبني بيننا شحنات موجبة تقوم بإحداث التجاذب، حتى لو كان هذا حلمًا، ولكن البداية تكون من النواة داخل الحلقة الأولى الأصغر(الأسرة)، التي نحن مسؤولون عن تكوينها في بيوتنا كل يستطيع تشكيل حلقته الصغيرة تلك كيفما يشاء لتشع نورها في الحلقات الأكبر حتى نصل بها للوطن الكبير حيث يتحقق الحلم، حتى لو كان بعيدًا في أجيال قادمة نكون قد صنعنا بذرتها في حلقتنا وبدأنا بإحداث التغيير.

- هذا يحتاج لدهور عديدة، سآتي إليها وأرى الحال كما هو الآن، ولكنني على أمل أن أجد في كل عام شيئاً من الأمل الذي تتحدثين عنه، جزء من الحلم يبدأ في الظهور، أتنمى أن أعود دهورًا أخرى أرى الصائمين أقوياء صامدين، آمنين رافعي الشامة، قادة بين الأمم..

عندما نبدأ يا ضيفي الكريم، ونصنع في دواخلنا الوحدة والتصالح، سنمضي ببثها حولنا، ستأتي يومًا يا رمضان وتجدنا كما أحببت أن ترانا.. ولكن لا تفكر في الرحيل عنّا، فنحن نحبك، ونحب أن نعيش روحانية أيامك التي تمدنا بالقوة نحو الحياة..

تعليق عبر الفيس بوك