مَنْ ينقذ التعليم؟

حميد السعيدي

أخفقتْ المجالس البرلمانية، والتي انتخبها الشعب من أجل التعبير عن همومه واحتياجاته وحقوقه الأساسية، وأصحبت تلك المقاعد خاوية بعد رحيل أصحابها، وأسماء تعلقت فوق الطاولات دون أن ترى من ينتمي إليها، فأي ديمقراطية ترى أنها قادرة على تحقيق الحقوق والمشاركة فيها؛ فقد اكتمل المشهد في جلسة التعليم والتي غابتْ عنها القراءة الصحيحة للواقع التربوي؛ حيث لم تخرج تلك الجلسة بأكثر من عمليات تحليلية لأرقام لا ترسم الصورة الحقيقية للعملية التعليمية، وهي بعيدة كل البعد عما يحدث فيه، فلا أدري الغاية أو الهدف من عرضها بتلك الصورة الذكية التي غابت عنها الشفافية الحقيقية، رغم أنها لا تثمل أهمية في الواقع التربوي والذي أصبح اليوم أكثر تألما من الماضي.

نعم لم يعُد هناك أمل يُرتجى منه في المستقبل في ظل الوقائع التي اتَّضحت من خلال جلسة الشورى، وليس لي رغبة في الحديث أو عرض ما حدث؛ لأنَّ ما نشهده اليوم هو ما يذكرنا بالماضي عند بداية النهضة المباركة والتي نادى بها جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم بتوفير الحقوق الأساسية للمواطن، كأحد أركان الدولة الحديثة، وهذا ما تحقق خلال الخمسة والأربعون عاما من عصر النهضة العُمانية، خاصة ما يتعلق ببناء الإنسان العُماني وتوفير احتياجاته من الرعاية الصحية والتعليم، "سنعلم أبناءنا ولو تحت ظل الشجر"، وقد كانت هناك نقلة كبيرة في القضاء على الأمية وتعليم المواطن أساسيات القراءة والكتابة، ويومها كانت أهداف التعليم: انتشال الشعب من حالة الجهل والتخلف الذي كان سائدًا في مرحلة ما قبل السبعينيات من القرن الماضي، وتوفير المدراس ونشر مظلة التعليم في كل أنحاء الوطن، وهذا هو ما يقوم به التعليم في الوقت الحاضر؛ فصورته لم تتغيَّر وأهدافه ومناهجه هي ذاتها لم تتغير، بالرغم من أنَّ الحياة تغيرت بكافة أشكالها، وتطورت المعرفة وأنماطها، وتغيرت حياة الإنسان، إلا التعليم عندنا والذي عجز صانعوه عن أن يجدوا تلك البوابة الحديثة ليعبروا بها بأبناء عُمان نحو المستقبل، فلم يملكوا إلا أن يتغنوا بالأرقم وأعداد الخريجين سنويا أو الملتحقين بالدراسات العليا أو سوق العمل، ويجيدون بنسبة جيدة القراءة والكتابة، وأنه بحاجة للزمن حتى نتمكن من الارتقاء بالتعليم، هذه الرؤية التي كانت تدار بها الجلسة خلال الأسبوع الماضي.

لذا؛ فإنَّ ما وصل إليه العالم في سباق كبير في التعليم ومدى الاهتمام به، لم يكن متواجدًا في جلسة الشورى، وغاب الحديث عن أن العالم يسبقنا بعقود من الزمن وربما يتجاوزنا بالكثير، فنحن لا نستطيع أن نرى خارج أسوار مدرستنا، ولا نمتلك تلك المعلومات والأرقام الإحصائية عمَّا وصل إليه العالم من تقدُّم وتطوُّر في عملية التعليم، والذي انعكس على الناتج العام أو النمو الاقتصادي لتلك الدول، فها هي سنغافورة كدولة ناشئة ما زالت تعتز بأن الطفرة الاقتصادية التي حدثت للبلد هي نتيجة اهتمامهم بالتعليم.

في حين أننا ما زالنا نناقش الأرقام ونضرب الأخماس بالأسداس، ونفتخر بأنَّ طلابنا العشرة يعلمهم معلم واحد -أحاول تصديق ذلك- ولكن هذا لا يهم؛ فالتعليم لا يقاس بالعدد، ولكن يقاس بمدى مقدرته على التغيير في المنظومة الاقتصادية والنهوض بالبلد من خلال الإبداع والابتكار، وفتح آفاق جديدة للتقدم والتطور، وتعليمنا بعيد كل البعد عن هذه الرؤية ولا يمكن تحقيقها في ظل ما يتعايشه هذا التعلم من مستوى متعثر، ولا يشهد تطور ملحوظا يمكن من خلاله القول أن هناك عمل تقوم به هذه المؤسسة التربوية، واستمرارية هذا الوضع على حاله فهو يسبب هدر للمال العام، والأكثر من ذلك خسارة أهم مورد اقتصادي للبلد وهو القوة البشرية والتي يناط بها العمل على التغيير والتطوير، لذا فمن حقنا طالما عجز ممثلونا في القيام بواجبهم الوطني في المطالبة بإصلاح التعليم وتطويره، أن نتسأل من ينقذ التعليم؟

نعم.. من يُنقذ التعليم من حالته التي وصل إليها والتي لا ترضي أحدًا؟! فتلك المناهج التي تمر بربيعها 16 منذ تأليفها لم يطلها إلا تغيير في الشكل والصورة، وغابت المعايير بين معديها فهي لم ترَ النور، وافتقدنا لقانون التعليم والذي يعطي كلَّ ذي حق حقه؛ فهذا المعلم الكفء والذي يجتهد في أداء رسالته يتساوى مع المعلم المتقاعس والذي يخرب الأجيال بأفكاره الضالة، وهذه الفصول والتي تزيد كثافتها عن 38 طالبًا لم تجد ذلك الهواء الذي يتنفس منه، فكيف بمعلم يشرف على أكثر من 150 طالبًا أن يقدم الدعم والتغذية الراجعة والأنشطة الإثرائية والعلاجية لطلابه، وأن يجد الوقت الكافي ليبدع ويبتكر ويعد الأنشطة الذكية، وهو لا يجد وقتًا للراحة بعد أن تجاوز نصابه من الحصص 24 حصة، أليس هذا توجهًا لتطبيق التعليم التقليدي، والأخطر من ذلك أن يتحول المعلم إلى وظيفة إدارية ويقصر في أداء أساسيات وظيفة المعلم، ثم يصدر صوتا ينادي أن العجز يصل إلى أكثر من 9000 معلم ومعلمة، وهناك أرقام خيالية قاعدة خلف الكراسي لا تمارس أي مهنه، إلا مهنة البطالة المقنعة في المديريات والمكاتب الإشرافية وفي مكاتب المؤسسة الأم، والمسميات الإدارية الضخمة، والخبراء والمستشارين..وغيرهم مما يُوكل إليهم تطوير التعليم، فأي عمل يتم إنتاجه في ظل هذه الأرقام؛ لدينا إشكاليات عديدة أكثر خطورة وتحتاج لإجراءات إصلاحية من أجل النهوض بالتعليم والحديث حولها يطول، ولا نمتلك إلا أن نقول إن عُمان أمانة فأحسنوا التعامل معها.

Hm.alsaidi2@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك