"الدبلوماسية البرلمانية" وواقع ممارستها في مجلس الشورى

أمل الجهوريَّة

تُمثل البرلمانات اليوم جزءاً مهمًّا من المكون السياسي في أي بلد، ويتسع نطاق أدوارها من إطار ممارسة الدور التشريعي والرقابي الداخلي، إلى دور خارجي يعتمد على تعزيز العلاقات الثنائية بين الدول والتفاعل مع القضايا المختلفة. وتأتي "الدبلوماسية البرلمانية" كأحد المشاهد السياسية المهمة التي ترتبط بأعمال البرلمانات في مختلف دول العالم؛ حيث شهدتْ مساهمة البرلمانات الوطنية في مختلف الأنظمة السياسية -لاسيما الديمقراطية- تطوراً ملحوظاً في تدبير الشأن الدولي خلال العقود الأخيرة؛ مما أسهم في وجود هذا النوع الجديد للدبلوماسية؛ وذلك نتيجة لزيادة الاعتماد المتبادل بين الأمم والشعوب في مختلف المجالات الإنسانية، وتضاعف التحديات التي باتت تواجهها البشرية في هذا العصر، ويشكل مفهوم "الدبلوماسية البرلمانية" نمطا خاصا للدبلوماسية الجماعية المفتوحة التي تتخذ من المنظمات الدولية والإقليمية مسرحا لها كما هو الشأن بالنسبة للاتحاد البرلماني الدولي واتحاد الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي والاتحاد البرلماني العربي، والتي أضاف ظهور الدبلوماسية البرلمانية بعداً جديداً للعمل الفكري السياسي، كونها تعمل وبلا شك بالتوازي مع الدبلوماسية الرسمية في كل بلد مترجمة أهدافها ونهجها ومعززة في علاقة الدولة بالشعوب الأخرى.

وفي ظل النجاح الذي حققته الدبلوماسية العمانية منذ بزوغ فجر النهضة المباركة الذي أضاء شعلتها جلالة السلطان قابوس بن سعيد -حفظه الله ورعاه- وبفضل هذا النهج الدبلوماسي الناضج المستند إلى البحث والتحليل والقراءة الواعية للأحداث، والاستفادة من دروس التاريخ احتلت عمان مكانة متميزة وأصبحت صمام الأمان في معادلة التوازنات الإقليمية والدولية، امتداداً لدورها الحضاري العريق وتأثيرها الإقليمي على مدار التاريخ، مستلهمة من رؤية ونهج قائد البلاد المفدى -حفظه الله ورعاه- الذي أكد في كثير من خطاباته على ذلك؛ حيث قال: "في العيد الوطني الخامس عشر: "إننا إذ نعتز بالصداقات التي تربط بين عُمان والأسرة الدولية فإننا نؤكد في ذات الوقت حرصنا على الاستمرار في أداء دورنا كاملاً على الساحة العالمية وفقاً للمبادئ التي اعتمدناها منذ البداية منطلقاً لسياستنا التي تسعى بكل إخلاص إلى الصداقة والتعاون مع الجميع وتناصر القضايا العادلة لكافة بلدان وشعوب العالم وتعمل من أجل السلام والاستقرار على كافة المستويات الدولية".

وفي إطار الفكر السامي، ونهجه الحكيم، كان لزاماً على مجلس الشورى العماني أن يواكب ما يشهده تطبيق الدبلوماسية البرلمانية من إجراءات وأحداث، وأن يكون ضمن المنظومة العربية والدولية في هذا الجانب، وظهرت تلك الممارسة في أشكالها المختلفة من خلال حضوره ومشاركته في مختلف المحافل الدولية والإقليمية سواء من خلال أعضائه أو أمانته العامة، وتواجده في مختلف اجتماعات الاتحادات البرلمانية الدولية كاجتماعات الاتحاد البرلمان الدولي، أو الإقليمية كاجتماعات اتحاد مجالس الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامية، والاتحاد البرلماني العربي والاجتماعات التي تعقد على المستوى الخليجي كاجتماعات رؤساء المجالس التشريعية الخليجية واجتماعات الأمناء العامين للبرلمانات الخليجية، واهتم القائمون على هذا الشأن باستضافة الوفود البرلمانية المختلفة، واستضافات عددًا من الأحداث البرلمانية والاجتماعات المختلفة على المستويات الخليجية والعربية، وفيما يتعلق بالدبلوماسية البرلمانية الثنائية انتهج مجلس الشورى العماني ذات النهج السياسي للسلطنة والمعروفة بعلاقاتها السياسية المتميزة مع مختلف دول العالم؛ حيث حرص على توطيد العلاقات الدبلوماسية مع بقية الدول عن طريق تبادل الزيارات الرسمية مع البرلمانات والحكومات الأخرى، وسعى لتكوين مجموعات صداقة برلمانية مع مجموعة من البرلمات بدأت أولها بتكوين مجموعات صداقات برلمانية مع دول الجوار منذ العام 1998م فبدأت أولى تلك المجموعات مع مجلس الشورى الإيراني ومجلس النواب اليمني، وأصبح عدد مجموعات الصداقة البرلمانية التي شكلها المجلس حتى الآن سبع عشرة مجموعة صداقة مع عدد من البرلمانات على المستوى الإقليمي والدولي، والتي جاءت نتيجة إيمان المجلس بأن مجموعات الصداقة هي تعبير شعبي صادق عن عمق العلاقات التاريخية والودية بين الشعوب والبلدان سواء كانا متجاورين أو لا. وكذلك بالنظر لما توفره هذه الآلية من مرونة وفعالية لأنها تؤمن لقاء مباشرا بين برلمانيين من دولتين مختلفتين بعيدا عن الشكليات والرسميات التي تميز اللقاءات الرسمية لباقي الفاعلين الدبلوماسيين.

ولم يغفل المجلس تطبيق الدبلوماسية البرلمانية على المستوى المؤسسي من خلال حرصه على تفعيل الإستفادة من مشاركات الوفود البرلمانية بإضافتها لمقترحات تخدم العمل البرلماني، كما أنشأ المجلس منذ العام 2013م دائرة متخصصة في مجال العمل الدبلوماسي البرلماني وأسندت إليها كافة الأعمال الفنية والإدارية للنشاط الخارجي للمجلس، ويتابع المجلس عن كثب جميع القرارات الصادرة من الاتحادات والمنظمات الدولية والملتقيات البرلمانية، ويسعى ترجمتها على أرض الواقع، عن طريق لجان المجلس أو الإرسال إلى الحكومة لمخاطبة الجهات المعنية.

إن اهتمام المجلس بترجمة ممارسة الدبلوماسية البرلمانية يلامس مختلف التطلعات ويسجل حضوره في مختلف الأحداث المرتبطة بالموضوع محلياً وإقليمياً والتي كان آخرها الإجتماع الخامس عشر للأمناء العاميين للمجالس البرلمانية الخليجية الذي جعل من "الدبلوماسية البرلمانية" موضوعه الرئيسي الذي ستعمل البرلمانات الخليجية على ترجمة رؤيته وأهدافه من خلال خطة عمل مدروسة يتم تفعيلها في الفترة المقلبة من خلال اجتماعاتها المشتركة، وإقامة دورات تخصصية في مجال الدبلوماسية البرلمانية لأعضاء المجلس وموظفي الأمانات العامة للاتصاف بالاحترافية وبالكفاءة العلمية والمهنية بالعمل الدبلوماسي البرلماني ومعرفة الأهداف المرسومة له، هذا إضافة إلى ربط أعضاء المجلس بالجهات الفاعلة والمؤثرة في السياسة الخارجية للبلاد، مثل وزارة الخارجية وغيرها لوضع آليات وقنوات لنقل المعلومات وتحديثها وتطعيمها بجميع المستجدات في هذا المجال، والحرص على غرس الوعي العميق بطبيعة ومغزى وأهداف المواقف الوطنية الرسمية من القضايا الوطنية والدولية، والعمل على تعزيز تبادل الزيارات بين إدارات الشعب البرلمانية في البرلمانات العربية والدولية للاستفادة من تجاربهم وخبراتهم في الدبلوماسية البرلمانية، والاستمرارية في تفعيل مجموعات الصداقة مع الدول الصديقة لتوسيع دائرة الدبلوماسية البرلمانية، مع العناية بإبراز دور الدبلوماسية البرلمانية والجهود التي تبذلها المجالس من خلال وسائل الإعلام المختلفة على مستوى تلك الدول.

... إنَّ الاقترابَ الفعلي من ممارسة الدبلوماسية البرلمانية في مجلس الشورى العماني يقف بنا على أهمية هذا العمل في دعم الدبلوماسية العمانية عموماً، والعمل في إطار متكامل مع القائمين عليها بما يُسهم في تعزيز العلاقات العمانية إقليميا ودولياً وربط هذه المؤسسة البرلمانية وأعضائها بجميع القضايا التي تعايشها المنطقة والمساهمة في التفاعل معها.

amal.shura@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك