العرب وسياسة أوباما

د. إسماعيل بن صالح الأغبري

أول رجل أسود يدخل من أوسع باب من أبواب البيت الأبيض.. الأصول من القارة السمراء الإفريقية.. وأمريكا باتت المقر والموطن.

ينتمي إلى الحزب الديمقراطي الذي عادة ما يوصف بأنه ألطف وأخف وطأة من منافسه الحزب الجمهوري.. فاز في انتخابات أمريكا بالفترتين إنّه الرئيس الأمريكي الحالي (أوباما).
كعادة متنافسي الوصول إلى البيت الأبيض يعرضون برامجهم الانتخابية في حملاتهم المكثفة المتنقلة، يسوقون للشعب أنفسهم عسى ولعل وليت يتم انتخابهم بناء على خارطة طريق، يعدون الشعب الأمريكي بأنهم سوف يسيرون عليها. بعضهم يركز في برامجه الانتخابية على ما يلامس اقتصاد الشعب وبعضهم يركز على المواضيع الاجتماعية كموضوعات التنمية الاجتماعية وقانون الإجهاض أو بعض أنواع الزواج التي بدأت تتصاعد في عدد من دول الغرب والمرفوضة حتى الآن من الكنيسة وعدد من الساسة. بعضهم خاصة الموسومون بالجمهوريين يصعدون من خطاب الولاء لإسرائيل فيعدون الناخب من ضمن ما يعدون بتنمية العلاقات مع إسرائيل عن طريق الإكثار من دعمها في كل مجمع ومحفل ومنتدى دولي، والوعد لها بإبطال كل قرار ينغص عليها إرادتها وبعضهم يعد الناخب بمضاعفة الدعم العسكري والاقتصادي بحيث يتعهد بألا قوة في الشرق الأوسط تعلو على قوتها، وبعضهم يعد الناخب بنقل سفارة أمريكا من تل أبيب إلى القدس التي تتنازع عليها الديانات الثلاث الإسلام واليهودية والنصرانية.

إنّ هذه الوعود خاصة ما يخص إسرائيل يراد منه جمع أصوات أكثر للمرشح عن طريق ضمان أصوات ودعم اللوبي الصهيوني البالغ التأثير في ترجيح الأصوات والمؤيد لإسرائيل. وأكثر تلك الوعود تتبخر فور الفوز بالانتخابات.

الرئيس الحالي أوباما وصل إلى الرئاسة ببرنامج انتخابي آخر خاطب من خلاله قطاعا واسعا من الأمريكيين.. إنّه خاطب جنود أمريكا وعائلات أمريكا وناشئة أمريكا. ووعد بتقليص الوجود العسكري الأمريكي في العالم أي بعدم تشتيت قوات وأفراد الجند الأمريكيين أي لم يرد أن تكون أمريكا شرطيا عالميا منظما لحركة إيقاع العالم المترامي الأطراف؛ لأنّ ذلك يكلف أمريكا خسائر مادية يتمثل في فقدانها أرواح جنودها أو عودة كثير منهم جرحى وعودة بعضهم في حالة مرضى نفسيين مما يكلف أمريكا علاجهم ورعاية من لم ينجح الطب في علاجه. أمهات وزوجات وأولاد الجنود راغبون في ذلك أيّما رغبة.

تجنّب أوباما الدخول في مضائق الفتن، وأعمل ما يمكن تسميته بضبط النفس وكبح جماح رغبة كثير من الأمريكيين بضرورة تدخل دولتهم بحجة أنّها القطب الأوحد في العالم بما أوتي من قوة مالية وعسكرية ودبلوماسية.

سحب أكثر قوة أمريكا من العراق ذلك المستنقع الذي أرهق أمريكا وأبقى على قوات رمزية وخبراء ومستشاريين وهو بذلك نفذ ما وعد به سحب أكثر قوات أمريكا من أفغانستان وهي مستنقع معقد أيضا فالشعب هناك ذو عقلية قتالية ورثها من أيام قتاله القوة العظمى الاتحاد السوفيتي وتلك أرض صخرية جبلية لا يعرف القتال فيها إلا بنوها.

كاد أوباما أن يقع في أزمة سوريا عسكريا وذلك بعد ما قيل إنّ الحكومة السورية استخدمت مواد كيماوية فأسفر ذلك عن مقتل عشرات العشرات، وحيث إنه أي أوباما أعلن أنّ أستخدم تلك المواد خط أحمر يستوجب التدخل صار ملزمًا بالتدخل والتدخل يعني نقص ما وعد به من عكسه.

تمكن أوباما من الخروج من ذلك بتحويل أمر التدخل للهيئة التشريعية وهو يعلم أنّها لن تشجعه على التدخل وهو ما يريد الحصول عليه علما بأنّه من صلاحياته التدخل دون إحالة الأمر إلى جهة أخرى.

لجأ إلى روسيا الراغبة في عدم مهاجمة حليفتها الدولة السورية، وأوباما يعلم ذلك فكان حبل النجاة لسوريا ولأوباما وهو قيام سوريا بتسليم ما لديها من أسلحة كيماوية فتجنّب أوباما نقض ما وعد ناخبيه به من عدم الزج بأمريكا في صراعات أخرى.

القضية الشائكة والتي كادت أن تشعل حربا إقليمية كبيرة هي مسألة النووي الإيراني، فإسرائيل تدفع إلى حرب إيران ودول عربية، وتتمنى ضربة قاضية تنزل على إيران وهناك لوبي قوي يدفع إلى ذلك.

حرب لو وقعت فإنّ أمريكا قد تعوم في مستنقع أشد لأنّ خصمها هذه المرة طور أسلحة متنوعة وعابرة وهو ذو أيديولوجية أو عقيدة دينية ولا شك أنّ أصعب قتال هو قتال أصحاب الأيديولوجيات التي تعتقد القتل شهادة وطلب الخصم واجب والتضحية غاية كما أنّ خصم أمريكا هذه المرة له أذرع قوية فاعلة يمكن أنّ تسبب لأمريكا صداعًا قويًا.

مال أوباما إلى التفاوض وهو اختيار حسن لأنّ الحرب أولا لا تأتي بخير أبدًا وثانيًا لأنّ أوباما قد حصل على جائزة نوبل للسلام، ولا يريد جمع متناقضات حرب ودمار وسلام، وثالثًا لا يريد تكرار تجربة الرئيس السابق بوش عندما قيل إنّ العراق تمتلك سلاحًا نوويًا ثم تبيّن أنّه لا يملك من ذلك شيئًا بالإضافة يبدو أنّ طبع أوباما الميل نحو خيار التفاوض على أي حال

تمكن أوباما فعلا من الوصول إلى تفاهم مع إيران ويبدو أنّ الغرب والاتحاد الأوربي راغب فيه ساع إليه لذلك سارعت دول الاتحاد إلى مباركته وحج زعماء الغرب وتوافد وزراء خارجية واقتصاد الاتحاد إلى إيران لضمان الاستثمارات ثم تتابعت شركات الاتحاد الأوربي تخطب ود إيران.

إيران لا شك راغبة في التفاوض لأنّه مهما كانت قوية لكن أمريكا أقوى ومن محاسن الصدف أنّ زعامة إيران بيد الإصلاحيين الراغبين في قوة اقتصادية وسلام مع إيران وزعامة أمريكا بيد الديمقراطيين الذين هم أكثر ميلا للتفاوض، وأقل حدة في الخطاب التصعيدي أي أنّه وافق شن طبقة.

لم يغفل أوباما الخصم العنيد والمعقل الشيوعي العتيد كوبا فإذ به وفي حالة تاريخية يتقارب مع ذلك الخصم بل ينهي قطع العلاقات بارتفاع علم البلدين وتبادل الزيارات على أعلى المستويات.

كانت فترة أوباما مع إسرائيل في فترتي حكمه ليست على ما يرام وربما يكون أوباما بالنسبة لإسرائيل أسوأ رئيس أمريكي.

صحيح لم يتحقق سلام بين الفلسطينيين وإسرائيل لكنه ولأول مرة يصل التراشق الإعلامي وعلى أعلى المستويات بين ساكن البيت الأبيض وبين رئيس وزراء إسرائيل لأول مرة يتصاعد ذلك الهجاء بين الطرفين علاقات باردة على أقل تقدير.

للأسف كانت فرصة للعرب لاستغلال هذا التوجّه من قيادة أوباما وكان يمكن الإفادة من هذا التوجه إلا أنّ بعض العرب في حقيقته راغب في فوز الجمهوريين والإطاحة تحديدا بأوباما حنقًا عليه لعدم توجيهه ضربة عسكرية على دولة سوريا وعدم توجيهه ضربة عسكرية على إيران.

قسم من العرب كان مشغولا بالتراشق فيما بينهم بالحرب الإعلامية والكلامية وقسم من العرب كان مشغولا بدعم ما يسمى زورا بثورات الربيع العربي الذي أهلك البلاد والعباد؛ وخرب عالم العرب، ودمر الأقطار وذهب الأمن والاستقرار وتلاشت وعود الحكام الجدد من التنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية؛ فكانت الحروب الداخلية والحروب البينية بين العرب.

قسم من العرب يدعم ويموّل جماعات التشدد والتطرّف والتكفير رغبة في إسقاط أنظمة بسبب خلاف بين الزعامات العربية.

لعلّ فترة أوباما لن تتكرر ولعلّ العرب أضاعوا فرصة مناسبة من أجل قيام دولة فلسطينية كما يرتضيها الفلسطينيون وممثلهم الشرعي والوحيد والمعترف به من جامعة الدول العربية.

تمكّن أوباما من عدم الصدام مع كوريا الشمالية والتي بين الفترة والأخرى تعلن عن قيامها بتجربة نووية وينطلق تصريح بين الحين والآخر فيه تهديد ليس فقط على حليف أمريكا وهي كوريا الجنوبية بل التهديد يشمل عقر أمريكا.
أحسب لو كانت هذه التجارب قد جرت في غير الرئيس الأمريكي الحالي لاحتدم القتال أو الضربات العسكرية لكن يبدو أنّ أوباما مال أيضا إلى عقوبات دولية وقفت معه فيها الصين وروسيا الحليفتان التقليديتان لكوريا الشمالية؛ إنّه يلقي بالكرة إذا أحس باشتعالها في ملعب غيره.

وضع أوباما في برنامجه الانتخابي خطاب الجانب الحقوقي إذ لم يغفل معتقل جوانتنامو الذي كثرت حوله الانتقادات، فهو صرح بأنّه سيقوم بإغلاقه ويبدو وكما نسمع من وسائل الإعلام فإنّه بات يقلص وجود المعتقلين فيه حتى صار كما يتم تداوله في وسائل الإعلام عدد من فيه من المعتقلين لا يتجاوز المئة. لم يعد خطاب الحروب هو المناسب ولكن متى تعي الدول العربية ذلك، ومتى تعي أنّ الخلاف السياسي يمكن حله بالمفاوضات ليس بالدبابة والمدفع والرشاش؟.
متى تقلع عدد من الدول العربية عن دعم هذا اللهيب الذي يضرب بعض الدول العربية؟
متى تقلع دول عربية عن التحاكم للمكايد والعناد؟

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة