ماء الورد في"الجبل الأخضر".. عبق ينفح السياح ومجالس الأفراح بأجمل الأنسام

الرؤية - العمانية

يعدالجبل الأخضر الواقع بولاية نزوى بمحافظة الداخلية واحدًا من أعلى القمم في شبه الجزيرة العربية؛ إذ يبلغ ارتفاعه أكثر من 3000 متر عن سطح البحر، وقد بدأ يحوز اهتمامًا متزايداً لدى السياح والزوار من داخل السلطنة وخارجها خاصة بعد تنفيذ بعض المشاريع السياحية فيه، ويرتبط اسم الجبل الأخضر محليًا بصناعة ماء الورد؛ الذي يعد أحد كنوزه السياحية والاقتصادية المهمة، وكانت ولا تزال هذه الصناعة أحد أهم مصادر رزق سكان الجبل.

تنتشر زراعة الورد على مساحات واسعة من الجبل وتتركز في قرى "العين" و"الشريجة" و"سيق" و"القشع"، ويبلغ عدد أشجار الورد التي يتم استخلاص ماء الورد الجبلي منها حوالي 5000 شجرة بمساحة إجمالية تصل إلى 7 أفدنة، والورد المستخلص منه ماء الورد الجبلي هو من نوع الورد العماني البلدي الذي يتشابه مع الورد الأصفهاني والورد الشامي ولكنّه ليس نفسه، وتقدر كميّة الإنتاج بـ (4) آلاف لتر للفدان الواحد، أي حوالي 28 ألف لتر لإجمالي المساحة المزروعة بأشجار الورد ويمكن أن يكون المردود الاقتصادي من الفدان الواحد أربعين ألف ريال عماني ويصل المردود من 7 أفدنة حوالي 280 ألف ريال عماني في الموسم الواحد.

جهود حكومية

وحول الجهود والمساهمات التي تقدمها وزارة الزراعة والثروة السمكية للمزارعين أفاد سالم بن راشد التوبي مدير دائرة الزراعة في الجبل الأخضر بأن الوزارة قامت سابقا بتوزيع مكائن استخلاص ماء الورد البديلة عن الحطب الذي توقد به النار، كما أنّها تقدم البرامج الإرشادية التي تعنى بعملية التقليم والتسميد والعناية بشجرة الورد العماني، وتقدم التوصيات الإرشادية فيما يخص المعاملات الزراعيّة المتعلقة بمزارع الورد الجبلي. وقال التوبي لوكالة الأنباء العمانية إنّ موسم الورد يبدأ أواخر شهر مارس ليصل إلى ذروته في شهر أبريل وينتهي في بدايات شهر مايو من كل عام، وتعد صناعة ماء الورد حرفة تقليدية عرفها أهالي الجبل الأخضر منذ مئات السنين، حيث بات يعرف ماء ورد الجبل الأخضر بجودته ودقة تصنيعه نظرًا إلى اتباع الأسلوب التقليدي الذي يعتبره مزاولو هذه المهنة السر وراء الجودة والانتشار الكبير لهذا المنتج الذي لا يخلو منه منزل في عُمان إلى جانب انتشاره الكبير في دول الجوار. وتمر عملية إنتاج ماء الورد الجبلي بمراحل عدة بداية من قيام المزارعين في شهر يناير بعملية تقليم أشجار الورد وحراثة الأرض وتسميدها وريّها بشكل جيد بانتظار موسم تفتح الزهور وتجهيز المصنع (الدهجان) الذي هو عبارة عن مبنى من الطين والحجارة والأواني الفخارية (البرمة) الموضوعة عليه وتتفاوت مساحته وفق مساحة أشجار الورد لدى المزارع، ومع بداية تزهير أشجار الورد يحرص بعض المزارعين على استئجار (استطناء) عدد من الأشجار من أصحاب المزارع ممن لا تتوفر لهم الظروف المناسبة للقيام بعملية العصير.

ومع بدء تزهير الورد يتجه الأهالي لقطف الورد في الصباح الباكر غالبا وأحيانا في المساء إن كان لدى المزارع أكثر من بستان وتتعاون الأسرة كلها في عملية قطف الورود من البستان طوال فترة موسم الورود، وبعد الانتهاء من قطف الورد تتم عملية تقطيره في المصانع الخاصة التي صممها المزارعون (الدهجان) حيث يتم إيقاد النار بداخله عن طريق الخشب أو مكائن خاصة ثم تكون أعلى النار أوانٍ فخارية خاصة توضع بداخلها كمية من الورد وفوقه قرص نحاسي يتقطر الورد بداخله من خلال عملية تبخر الورد فيصدم بقرص آخر في الأعلى، وتستمر هذه العملية حوالي أربع ساعات طوال فترة موسم العصير لدى البعض، ومتقطعة لدى البعض الآخر حسب كمية الورد المتوفر. ويجمع الناتج من ماء الورد ويترك لمدة تتراوح من شهر إلى أربعين يومًا حتى تترسب الشوائب وبعدها تخزن في وعاء من الفخار (الخرس) ويظل فيه لمدة ثلاثة أشهر ويكون ماء ورد في النهاية ذا لون أحمر زكي الرائحة ثم يعبأ المنتج في عبوات زجاجيّة سعتها

750 ملم بعد تنظيفها جيدًا ثمّ يتم تسويقها بالأسواق المحليّة ويتراوح سعرها عند 8 ريالات عمانية، والعبوات ذات السعة الأقل (500) مل تكون قيمتها 5 ريالات عمانية. ويتم حاليا تقطير ماء الورد بالأساليب الحديثة عبر مركز تقطير النباتات العطرية بالجبل الأخضر التابع للهيئة العامة للصناعات الحرفية، وعن هذا الجانب قال خالد بن سعيد البوسعيدي مسؤول المركز بالوكالة إنّه من منطلق حرص الهيئة العامة للصناعات الحرفية على المحافظة على الحرف التقليدية للأجداد والآباء وتطويرها بما يتلاءم مع روح العصر والحداثة فإنّ المركز يقوم بتقطير ماء الورد عبر أجهزة التقطير الحديثة المتوفرة بالمركز ويتم التقطير بواسطة الفصل والتكثيف، حيث تتم إضافة الأزهار مع الماء داخل الجهاز وتبقى لمدة ساعتين في الجهاز مع وجود مصدر حراري وبعدها يجمع المنتج بعد التقطير في حوجلة خاصة عبر الأنابيب الموصلة بجهاز التقطير ليعطي في نهاية المرحلة منتجًا شفافا ليس له لون ورائحته نفس رائحة أزهار الورد ويتم تقطير حوالي 3 لترات يوميا، وخلال الموسم يتم تقطير 15 إلى 50 كيلوجراما من الورد بعد شرائه من المزارعين.

وقال البوسعيدي في تصريح لوكالة الأنباء العمانية إننا نهتم كثيرًا بسلامة وجودة المنتج لكسب ثقة عملائنا من المواطنين والسائحين من مختلف الجنسيات الذين يحرصون على شراء منتجاتنا عبر منافذ التسويق المختلفة والمعارض التي نشارك فيها، ويبلغ سعر زجاجة ماء الورد سعة (200) مل ريالين فقط، والمركز يدعم المزارعين بالزجاجات الفارغة والقنينات البلاستيكية الملائمة لتعبئة ماء الورد عليها ثم بيعها. ويدخل ماء الورد ضمن النكهات التي تضاف إلى بعض المواد الغذائية مثل القهوة والحلوى العمانية وبعض المعجنات وغيرها، ويعتبر كمادة عطرية طاردة للروائح في الجسم، كما يستخدم في التخفيف من بعض الأعراض التي يتعرض لها جسم الإنسان مثل الإغماء وغيرها ويستخدم كعطر فواح يكرم به الضيوف من خلال رشّهم به في المناسبات المختلفة مثل الأفراح والأعراس. وتقوم شركة غرين بار(green bar) المصنعة للعطور والمنتجات التجميلية بدولة البحرين الشقيقة بإنتاج عطر خاص من ماء الورد العماني العضوي مستحضر بنسخة محدودة ينتج من منطقة الجبل الأخضر في السلطنة وهو مستحضر عضوي خالص ولطيف.

تعليق عبر الفيس بوك