ضرب الطلاب في المدارس والآثار السلبية

فايزة مُحمَّد

انتشرَ في الأسبوع الماضي فيديو قصير لحادثة ضرب أحد الطلاب من قبل أحد المعلمين في إحدى المدارس العُمانية، وقد لاقى الفيديو استهجانا من جميع فئات المجتمع؛ مما دفع وزارة التربية والتعليم لفتح تحقيق في الموضوع. ولست هنا بصدد الحديث عن هذه الحادثة بعينها؛ لأنها أصبحت بين يدي المسؤولين في وزارة التربية والتعليم، ونحن على ثقة بأنهم سيقومون بالتحقيق في الموضوع من أجل عدم تكرارها مستقبلا في المدارس العُمانيَّة.

ولكن الحادثة فتحت موضوعا مهمًّا جدًّا أمام المجتمع -خاصة أولياء الأمور- وهو: ضرب الطلاب في المدارس، فهل هناك فعلا ضَرْبٌ للطلاب في المدارس العُمانية، أم أن الحادثة السابقة مجرد حالة استثنائية نادرة؟ وما رأي المجتمع في موضوع الضرب تحديدا؟! يرى البعض أن المشكلة ليست في المعلمين، وإنما في الطلاب أنفسهم الذين "باتوا لا يعرفون مصلحتهم، وأصبح شغلهم الشاغل هو اللعب والتسلية وقضاء الساعات الطويلة مع هواتفهم؛ مما بات الحزم لا بد منه من أجل إعادتهم إلى الصواب"، ويستدل كثير من هؤلاء على كلامهم بأنَّ الضرب كان معروفا في السبعينيات والثمانينيات بشكل واسع جدًّا، ولكنه أنتج أجيالاً استطاعت أن تصل إلى مناصب كبيرة في الدولة ولا تزال تخدم البلد بكل تفانٍ وإخلاص، ولم يشتكِ أحدٌ حينها أو يعترض على ذلك، ولكن يُرد على ذلك بأن الظروف اليوم اختلفت عن السابق، فما كان مباحا بالأمس لم يُعد كذلك اليوم، كما أنَّ وسائل التربية والتعليم تطورت ولم تعد كالسابق، إضافة إلى الآثار السلبية للضرب على الطلاب التي تنعكس بطبيعة الحال على أسرهم والمجتمع.

ويُدافع بعضُ المعلمين عن الضرب باعتباره وسيلة جيدة من أجل حفظ هيبته في الصف أمام الطلاب، وأنه لولا هذه الهيبة لسادت الفوضى في الصفوف، وضَعفت همة الطلاب في الدراسة والتحصيل العلمي، وأنه لولا الضرب لما اهتم الطلاب بتأدية واجباتهم المدرسية وأهملوها، وهنا أضطر لنقل قصة حقيقية حدثت مؤخرا في إحدى المدارس العُمانية لأحد الطلاب: فقد استدعاه المعلم أمام لوحة الكتابة من أجل حل مسألة رياضية وكانت العصا الغليظة في يده، فارتبك الطالب وأحَسّ المعلم بارتكابه فقال له: حمار يقف أمام شيخ (ويقصد بالشيخ طبعا نفسه!)، فهل هذا يُمثل أسلوب تربية جيدًا للطلاب؟ هل هكذا نربي أجيال المستقبل؟ إنني من خلال معرفتي بهذا الطالب فقد أصبح يكره مادة الرياضيات رغم أنها كانت من أحب المواد الدراسية إليه، فمن يتحمل ذلك كله؟ وفي قصة أخرى قامت إحدى المعلمات بضرب طالب يدرس في الصف الرابع الابتدائي مما تسبب في إصابته بآثارٍ نفسية سيئة، وأصبح يرفض الذهاب إلى المدرسة، قبل أن يتدخل والداه ويُصلحان ما أفسدته تلك المعلمة بعد عناءٍ شاقٍ وطويلٍ جدا، حتى نجحا في إقناعه بضرورة الذهاب إلى المدرسة وأهمية العلم والتعلم في حياة الإنسان، وحاجة البلاد إلى أفراد متعلمين من أجل تكملة مسيرة النهضة المباركة وبناء عُمان المستقبل. والرد على من يرى أنَّ الضرب هو وسيلة تأديب مُثلى للطلاب هو: أن المعلم يستطيع أن يثبت هيبته في الصف بقوة شخصيته، واهتمامه بالطلاب، وحسن أخلاقه معهم، وأنه لو التزم بذلك كله فإنه سيكسب أولا احترام الطلاب، ثم تكون لكلماته في الصف صدى إيجابيا عندهم، وعندما يكتسب المعلم ثقة الطالب واحترامه فإنه سيسعى بكل جهده إلى التعلم والنجاح.

من أخطر الآثار السلبية للضرب هي: الآثار السلبية التي يتركها في نفوس الطلاب والتي تؤدي أحيانا إلى رفضهم الذهاب إلى المدرسة؛ لأنها تصبح مرتبطا في أذهانهم بالضرب وليس الدراسة وطلب العلم، إضافة إلى أنها تتسبب في إقامة حاجز نفسي بين المعلم والطلاب، مما يؤدي بالطلاب غالبا إلى كراهية المعلم والمادة التي يقوم بتدريسها؛ الأمر الذي ينتج عنه بطبيعة الحال الفشل الدراسي للطالب...وغيرها.

وفي ختام المقال، لا يسعني سوى القول: إن الطلاب هم أمانة في عنق المدرسة والمعلمين، فحتى لو أخطأوا فإن هناك أساليب تربوية كثيرة من أجل معالجة هذه الأخطاء، منها: الاستعانة بالأخصائيين الاجتماعيين الموجودين في جميع مدارس السلطنة، والتواصل مع أولياء أمور الطلاب واستشارتهم في كل ما يتعلق بأبنائهم؛ فالمدرسة لا تتحمل وحدها أخطاء الطلاب، ولا تستطيع وحدها معالجة أخطائهم، وإنما بالعمل والتشاور مع أولياء الأمور في ذلك، من أجل مستقبل أفضل لأبنائنا وعُمان.

تعليق عبر الفيس بوك