أَنصِفوا عُمَان!

سلطان بن خميس الخروصي

في أحد المقاهي الجميلة كنت التقي بين الفينة والأخرى بجمال الذي ما أن يبدأ النقاش فكأنه ينتقي أطايب التمر، كنّا نتسامر في أحاديث كثيرة منها سياسية، وأخرى ثقافية، وحيناً رياضية، وأحيانًا أخرى مواضيع دينية، وتارة تقذفنا الكرة في ملعب التُجَّار فنتجاذب القول وكأننا بعض (الباشوات) وبعد حينٍ نعود لموقعنا الحقيقي كــ(دراويش) تعلو محيَّاهم ابتسامات بيضاء بعيدًا عن الابتسامات الملونة التي يضطر المرء لينثرها في مواقف مختلفة ولسان حاله "مكره أخاك لا بطل".

مع انطواء صفحات الأسبوع المُنصرم جلست في موقعي مترقبًا جمالاً وقد حضَّرت له (مرجل) من المواضيع المتنوعة؛ فلطالما وجدت الحوار معه متنفسًا يانعاً على الرغم من التضاد بيننا في الرأي والفكر، وفي نفس المكان والزمان استقبلت جمال لكنه كان متجهمًا مكفهرًا، جلس بهدوء الملوك على عرش الصمت، بدأت بغيث النقاش لكنه آثر التواضع في الردود!، تنامى إلى نفسي أنّ ثمّة مواضيع خاصة لا يحق لي الولوج في كُنهها حتى لا أكون (ملقوفًا) يسأل بما لا يعنيه، وجدت أنّ الموقف متشظٍ لا يحتمل المكوث، أوكلت إلى قدميَّ بحمل أكتافي مع ابتسامة نقيّة على أن ألتقيه في وضعية أحسن حالاً، وما أن هممت بالقيام من موضوعي حتى انفجر عليّ كالبركان الثائر قائلاً: "متى ينصفوننا ويعترفون بوزننا الحقيقي في المنطقة؟، لماذا يُكابرون على فضلنا في حلحلة الكثير من القضايا العالمية؟، استغرب هل هي ثقيلة كلمة "شكراً عُمان" ومنحهم ثقتهم فينا لتحقيق الاستقرار الإنساني في منطقتنا العربية؟، أليس من المعيب أن تولي إيران وأمريكا وأوروبا ثقتهم ببلادنا في الكثير من القضايا التي كانت تُهدد الأمن والاستقرار العالمي بينما دول الخليج العربي وكثير من أقطار العالم العربي يوبخوننا ويُشككون في نوايانا ومُبادراتنا؟، لماذا بعض العمانيين حينما يُذكر فضل عُمان عبر التاريخ القديم والمُعاصر يستهزأ بك ويدَّعي أنّك (مُطبِّلٌ) ويتناسون القول المأثور "من لا يشكر النّاس لا يشكر الله"؟.

أسئلة جمَّة أمطرني إياها مُزن جمال بعد أن ملأت جوفه بالهم والضجر، وقد لامست في حشرجة آلامه العميقة تساؤلات يجب أن تُطرح وتُكشف من خلالها كل الأوراق على الطاولة، إذ يحق للمواطن العُماني أن يُقدم تساؤلاته لبعض دول مجلس التّعاون والدول العربية بل وبعض المواطنين الذين يستعرون بقذارات النعرات الطائفية والمذهبية والعرقية.. لماذا كل هذا البذخ في تشويه الموقف العماني والتقليل من شأنه؟!، ثم ما دلالات بعض التقارير الجيوسياسية التي تنشر بين الفينة والأخرى وتُحاول تأليب الرأي العام على مؤسسات الدولة والتشكيك بمنجزاتها على الصعيدين الخارجي والداخلي؟، لماذا لا يعترف أشقاؤنا الخليجيون بأنّ عُمان في هذه الظرفية الحساسة بمثابة البيئة الحاضنة لتأليف القلوب والتخلي عن المُهاترات السياسية والمُراهنات العنصرية والمذهبية؟، لماذا لم يحتفل الخليجيون والعرب بالإنجاز العُماني الخليجي العربي بتجنيب المنطقة حرباً عالمية بسبب البرنامج النووي الإيراني؟، لماذا لا يعترف الخليجيون بفضل عُمان في تحرير رهائنهم بين الحين والآخر في حرب اليمن؟، لماذا يستثقل الخليجيون الاعتذار لعُمان بعد قصف مقر السفارة في صنعاء دون أيّ سلوك معادٍ أو سحب سفاراتها المنتشرة في الدول الخمس؟ لماذا يُصرُّ بعض الأكاديميين بدول المجلس على وصف عُمان بمسميات بالية بأنها أداة لتحقيق المصالح الإيرانية، أو أنّها تتربع عرش الفساد، أو أنّها مُنشقَّة عن دول مجلس التعاون متناسين كل الحقائق التي تشير إلى أنّ بعض الدول الخليجية هي أكبر سوق إيراني بالمنطقة، والبعض الآخر تُملَّك آبار نفط لأشخاص بعينهم كأملاك خاصة، كما أنّ بعضها نصب حبل المشنقة على بعض إخوته ليكيدوا له كيداً حتى الرجوع إلى يد الطاعة مُكرها؟!

هذه الأسئلة وغيرها لا تُفيد المواطن العُماني بشيء لأنّ التاريخ والتجربة علَّمته معنى الحياة والتآلف وبناء المدنية، وهذا المقال لا يستعرض الفضل العماني في الجانب التاريخي، أو السياسي، أو الثقافي، أو المعماري في حضارة الجزيرة العربية أو العالم العربي والإسلامي فذلك شأن عظيم له جهابذته في الطرح والتحليل، بل هي جُملة من الأسئلة التي تُحاول أن تصل للمواطن الخليجي الكيّس الفطن فلا يزايد ولا يُبجِّل، كما أنّه لا يستحقر ويستصغر إنجازات من دخلوا في دين الله أفواجا دون إراقة الدماء أو استباحة الحرمات، لابد أن تستثمر عُمان في حلحلة كثير من القضايا العالمية بما تمتلكه من ثروة فريدة بقيادتها النادرة وشعبها الرصين، وما يطلبه المواطن العماني هو قليل من الإنصاف والكفِّ عن بعض تصريحات المراهقين والمغلظين الذين يحاولون التسوّل للحصول على الشُهرة على رقاب بعض القطعان؛ فعُمان كانت ولا تزال وستبقى تلك الجوهرة الناصعة في عِقدِ الحياة الإنسانية الكريمة.

sultankamis@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك