بين (كمَّاشة) الإجراءات.. ومنطق الواقع

مسعود الحمداني

تذكِّرني الإجراءات الحكومية برفع سعر الوقود، وزيادة سقف الضرائب والخدمات، ومُطالبتها في نفس الوقت القطاع الخاص بعدم المساس بأسعار السلع، والبقاء مكتوفَ الأيدي، بقول الشاعر:

ألقاهُ في اليمِّ مكتوفاً وقالَ لهُ

إيّاكَ.. إيّاكَ أن تبتلّ بالماءِ!!

ومع ذلك.. كان الله في عون الحكومة، وعون المواطنين، وعون القطاع الخاص.

فالحكومة تريد السيطرة على تدهور الأوضاع في هذه المرحلة الحساسة، والمواطن يريد أن تتحسَّن أوضاعه، أو أنْ لا تزيد أعباؤه المعيشية على أضعف الإيمان.

فأصدرت الحكومة عدة قرارات لترميم الوضع؛ مثل: زيادة الضرائب، وزيادة رسوم الخدمات، ورفع أسعار الوقود، والمساس بترقيات وامتيازات الموظفين، والتقشف في الوزارات، وقد تصدر إجراءات أخرى غير متوقعة في مراحل مختلفة من الأزمة.

والمواطن/الموظف يريد أنْ لا يمس أي شيء من حقوقه الوظيفية، ولا أنْ تصل يد الغلاء إلى أسعار السلع المرتبطة بحياته اليومية.

وأتساءل: كيف يريد المسؤولون من سائق الحافلة، أو سائق سيارة الأجرة، أو بائع الأسماك وغيرهم ممن ترتبط أسعار خدماتهم ارتباطا وثيقا بالوقود أن يبقوا على نفس أسعارهم السابقة في مقابل رفع سعر هذا المنتج؟!

الحكومة تريد أنْ تفعل كل شيء، وترفع أسعار كل ما يمكنها رفعه، ثم تطالب القطاع الخاص بأنْ لا يُصدر أي ردة فعل، وأنْ لا يحرِّك ساكنا، وأنْ يلتزم بالأسعار السابقة، وتحذره من رفع أسعار السلع والخدمات!

المنطق يقول إنَّ ذلك غير مُمكن؛ لأنه كلما زادت أسعار الضرائب والخدمات زادت في المقابل أسعار المنتجات والسلع أيًّا كان نوعها، وأنَّ ما تخشى الحكومة وقوعه اليوم سيكون واقعا لا محالة غدا.

الحكومة تريد إنجازا وظيفيا عاليا في مؤسساتها، وفي الجانب الآخر لا تريد أن تمنح الموظف أي مقابل؛ فالترقيات موقوفة، والعمل بالأجر الإضافي موقوف، ولا توجد بارقة أمل في تحسين أوضاع الموظفين في القريب المنظور، ومع ذلك فالمطلوب هو أن ينجز الموظف أكبر قدر من "الواجبات" دون أن يلقى مقابل ذلك أي حافز.

الحكومة قامت بتقليص اشتراكات الوزارات من الصحف اليومية في مؤسساتها إلى معدلات غير معقولة، تصل أحيانا إلى نسخة واحدة من كل صحيفة!! وقلَّصت في الوقت ذاته أعداد الإعلانات المنشورة في الجرائد؛ مما يعني أنَّ المؤسسات الإعلامية مُهددة بالإفلاس؛ لأنها تعتمد في الأساس على هذه الإعلانات، في ظل سوق صغير، ومنافسة شرسة، وفي نفس الوقت تطالب الحكومة الإعلام بأن يقوم بدوره، وأن يبقى واقفا على قدميه، وأن يؤدي رسالته، ولا أدري كيف يمكنه أداء هذا الدور في ظل وضع اقتصادي سيئ؟!

الحكومة تحاول أن تخرج البلاد من أزمتها بإجراءات قد لا تكفي لسد العجز في الميزانية على المدى الطويل، وقد لا تفي باحتياجات المشاريع العملاقة التي تأخرت عن موعد تنفيذها، وقد تحتاج إلى اعتمادات مالية أكبر من السابق، وستعتمد الدولة على القروض كما كانت الحال في فترات زمنية مختلفة، ولكن هذه المرة لم تعد الأمور كما كانت سابقا، ولم تعد مسألة سداد هذه القروض بتلك البساطة، حين كان النفط سيّد الموقف، وسيستمر مسلسل الاقتراضات الحكومية في الأعوام التالية، وستكبَّل الدولة بعجوزات لا قبل لها بها؛ لذلك لا بد لها من علاج الداء في بداياته، بإجراءات جوهرية أكثر تأثيرا في عُمق الاقتصاد، وأقل ضررا على المواطن، وذلك من خلال الاتجاه للاستثمارات عالية المردود وقليلة المخاطر، والعمل على تنويع مصادر الدخل، والتقليل من الاعتماد على النفط (وهي الإجراءت التي تحدثت عنها الحكومة في مرحلة ازدهار النفط، وأصبحت كلفتها أكبر في مرحلة انهياره).. والله المستعان.

Samawat2004@live.com

تعليق عبر الفيس بوك