ألا نكون بذلك شاكرين لله؟

زينب الغريبيَّة

((زيادة الوقود 40 بيسة فقط للتر الواحد تُسهم في تنمية الوطن، مع هذا جنَّ جنون البعض، وأصبح حديثَ الساعة منذ إصدار القرار، بينما كوب قهوة بريالين بنسبة ربحية تفوق الـ200%، وجل ربح الشركة البائعة له تُخصِّصه لتنمية الكيان الصهيوني مثل بعض الشركات المعروفة، ومع ذلك يتفاخر البعض بحمل ذاك الكوب كل صباح، قف مع نفسك وقارن، تأملها واشكر الله على النعمة، اشكر الله على النعمة أنت تنام وليس تحت مخدتك سلاح، اشكر الله على النعمة فأنت لست لاجئا، قال الله تعالى: "ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين")).

هذا البرودكاست وغيره مما يُشببه في دلالات المعنى انتشرت بشكل كبير خلال الأسبوع الماضي في مختلف وسائط التواصل الاجتماعي سيما "الواتساب"، متزامنة مع انتشار خبر رفع أسعار البنزين والديزل المستخدمة وقودا للسيارات وتنفيذه، دعوة لشكر الله على النعمة التي نحن فيها، فهل نحن جاحدون للنعمة إن تساءلنا عما يدور حولنا؟ هل أصبحنا فارغين لدرجة أن تسيطر علينا مثل هذه الرسائل وتحول مجرى الموضوع إلى مسار آخر غير المسار الطبيعي لها؟

هل عندما نطرح تساؤلات عن الأسباب التي أودت بنا إلى هذه الحال نكون غير شاكرين وحامدين لله على النعم؟ هل إذا تتبعنا مجريات الأحداث وحاولنا إيجاد منافذ كمفكرين وكتّاب نكون بذلك غير شاكرين لله؟ هل لو حاسبنا كشعب من يقف وراء هذه المهازل نكون بذلك غير شاكرين لله؟ هل لو وقفنا كالرقيب من أجل حماية حق الوطن نكون غير شاكرين لله؟ من الذي خوَّل لمثل هؤلاء أن ينعتونا بهذه الصفات؟ وما منطلقهم حين توصلوا لذلك؟

عندما نتكلَّم عن ارتفاع أسعار، ووجود أزمة مُلحَّة لا بأس في أن تتضافر كل الجهود لنقضي عليها أو نحمي أنفسنا مجتمعين منها، وما شهد التاريخ القريب والبعيد على الشعب العماني من تضافر وتماسك في وقت الأزمات، حتى وإن كانت الصورة مختلفة في أوقات الميسرة، فهل المواطن العماني حتى المقتدر منهم يذهب صباح كل يوم ليحتسي فنجان قهوته الصباحية من مقهى غربي؟ أو أنه يجري وراء الكماليات الفائضة عن الحاجة كأسلوب حياة للعماني؟ هل هذه هي صورة العماني الحقيقة في كل أرض عمان المتباعدة والمتناثرة؟

نحن لا ننكر ما وصلت إليه حياتنا من توفير خدمات أساسية، من طرق ومرافق عامة ومؤسسات لتنظيم الحياة المدنية، وخدمات الصحة والعليم وإن كانت تحتاج إلى كثير من التطوير والإصلاح، إلا أن الأساسي منها يكفي لسد الحاجة الأولية، ولكننا أيضا عندما نطالع الأرقام الخيالية التي تعرض خلال هذه الفترة من أموال هدرت هنا وهناك في مناقصات ومشاريع لم نرى منها ما يستحق تلك الأموال، أو أن نرى مساحات من الأرض التي تعود للملكية العامة يتم تقاسمها على من بأيديهم السكين لتقطيع الغنيمة، أم المبالغ التي تم سحبها لتمكين تلك الأشياء السابقة من احتاطي الدولة المالي، وما يتبعها من الحاجة للدَّين بفوائد عالية من الأسواق الخارجية لتغطية العجز المالي من ناحية ورفع الضرائب الداخلية من ناحية أخرى، وما لا نعلمه ربما أن تلك ليست النهاية، وليست الحلول الجذرية، فماذا سيترتب على هذه الإجراءات؟ وكيف سنستمر كدولة؟ وماذا بعد؟!

هذا لا يعني أننا لا نستشعر الخطر، وهذا من حقنا فهذه حياتنا، وحياة أبنائنا، وحياة الوطن الذي نشأنا فيه وعشنا فيه ولا نملك الحياة إلا عليه، فلا نستطيع أن نكمل حياتنا في بلاد غيره كمغتربين بحثا عن الحياة؛ لذا فمن واجبنا أن نتضافر جميعا للبحث عن مخارج لهذه الأزمة التي وُضعِنا فيها، ولو بالكلمة فقد تنفع لو وضعت في الحسبان، وقد تساعد في اتخاذ القرار لمن بيده أخذ القرار، وهذا نوع من شكر الله على النعمة التي بين أيدينا، نعمة الوطن التي تتطلب منا شكر الله عليها بالحفاظ عليه، ومحاولة السعي في سبيل استمراره.

إلى أصحاب تلك الرسائل لا تحاولوا اغتيال ما بَقِي من ذرات تفكير في عقول المواطنين، ليصنعوا بها الحياة لأنفسهم ولوطنهم، ولا تستنفدوا بها صبر المواطنين الذي لم يعلنوا غيره، ولا تحملوا المواطنين فوق ما هم متحملين من نتائج أخطاء غيرهم، يتحملونها برحابة صدر من أجل الوطن والصالح العام؛ لأن من هم في القاع يعلمون ما معنى أرض الوطن، وما معنى أن تعمل بكل جهد من أجل أن تعيش، وما معنى أن توازن مصروفاتك من أجل أن توفي مستلزمات حياتك وأسرتك حتى آخر الشهر، وما معنى أن الوطن ترابه غالي، ففي النهاية من يقدم أرواحه فداء الوطن هم الجنود المخلصون القابعون في أسفل السلم التراتيبي، من يتلقى الأوامر ممن هم واقفون على قمة السلم.

لم يلفظ الشارع العماني رغم عدم رضاه الداخلي بكلمة واحدة علنا تنمُّ عن استيائه أو إضرابه أو اعتراضه، رغم أنه يعلم أن ارتفاع أسعار النفط هو المفتاح لباب الغلاء في كل ما يقدم له من خدمات أخرى سواء كانت حكومية أم من القطاع الخاص، وأن ارتفاع النفط بهذا القدر إنما بداية لزيادة تدريجية نحو مزيد من الارتفاعات، وأن الوضع الاقتصادي العام ومديونية البلد لا تبشر بالخير، إلا أنه يعيش يومه، ويستمر في حياته كالمعتاد، متفائلا بغد أفضل، ومتقبلا كل الحلول، فلا تكونوا عليه بالسكين والمنشار، يكفيه أن يقف أمام هذه الأزمة متعاونا مع معطيات كل ما تمليه عيه بقلب قوي، رغم ظروف معيشته، وبهذا فهو شاكر لله على ما أعطاه في السراء والضراء.

تعليق عبر الفيس بوك