بوابة عُمان الاقتصاديَّة

حميد السعيدي

اهتمَّتْ السَّلطنة بالاستثمار في قطاع الموانئ البحرية؛ وذلك للاستفادة من الموقع الإستراتيجي؛ والذي تميز بإشرافه على مضيق هرمز، ووقوعه على مجموعة من البحار، كبحر عُمان، والخليج العربي، وبحر العرب، بإطلالته على المحيط الهندي، وقربه من خطوط الملاحة العالمية، فأصبح يمثل نقطة الارتباط بين خطوط الملاحة التي تصل بين قارات العالم، وقديماً تمكن العُمانيون من التعرف على أهمية هذا الموقع والاستفادة منه، مما ساهم في بناء إمبراطورية عُمانية في مجال التجارة البحرية، فاستطاعوا الوصول إلى موانئ الصين شرقاً، وأقصى سواحل شرقي إفريقيا، وارتبطوا بعلاقات تجارية مع الساحل الهندي؛ مما أسهم في بناء منظومة تجارية عُمانية في منطقة المحيط الهندي، أتاح لهم إيجاد فرص متعددة للتجارة، والارتباط بعلاقات مع مختلف حضارات العالم القديم، فأصبح العمانيون سادة المحيط الهندي.

وخلال الفترة الماضية كان الاهتمام الحكومي يهدف إلى بناء منظومة من الموانئ البحرية للاستفادة من الموقع الجغرافي لعُمان كأحد مصادر الدخل الوطني، حيث اهتمت بالاستثمار في هذا القطاع من خلال إنشاء عدد من الموانئ التي توزعت بين مواقع متميزة؛ منها خمسة موانئ رئيسية: ميناء السلطان قابوس والذي تخصص في مجال السياحة العالمية، وميناء صلالة بمحافظة ظفار ويُعد أحد الموانئ الرئيسية في تبادل الحاويات في المنطقة، وميناء الدقم في محافظة الوسطى، والذي يسهم بدور كبير في مجال التجارة الإقليمية والدولية نظراً لموقعه القريب من خطوط الملاحة الدولية، وميناء صحار في محافظة شمال الباطنة، والذي يعتبر الميناء الرئيسي في السلطنة في التبادل التجاري والصناعي، وميناء الفحل في محافظة مسقط، والذي يتخصص في مجال تصدير خام النفط.

وعلى الرغم من الجهود الحكومية بالاستثمار في قطاع الموانئ وبناء مناطق صناعية بجوارها، والاهتمام ببناء شبكة مواصلات برية وجوية متطورة، إلا أن هذه الموانئ لم تتمكن من المساهمة في الدخل القومي حيث أشارت بعض الاحصائيات إلى أن حجم التناول فيها وصل إلى خمسة ملايين حاوية في العام الواحد، وهذه نسبة أقل من 1% من حجم التناول العالمي، كما أشارت بعض التقارير إلى أن السلطنة تحتل المرتبة الـ62 وفق تقارير التنافسية في تقديم الخدمات اللوجستية، وهذا الإحصائيات لا تعكس حجم الاستثمار في هذا القطاع، والذي يتجاوز عشرات المليارات التي تضخ في تطوير هذه الموانئ وتوفير البنية الأساسية والخدمات والمناطق الصناعية المرافقة لها، مما يدفع المواطن للتساؤل حول العائد المادي من هذه الموانئ على الاقتصاد الوطني؟

فهناك العديد من التحديات التي تواجه الموانئ العُمانية في مقدرتها على رفع مستوى مساهمتها في الدخل الوطني، بما يمكننا من إيجاد بيئة اقتصادية ناجحة، وتتمثل تلك التحديات فيما يلي: التحديات الإدارية، والتحديات المالية، والدعم اللوجستي؛ وتتمثل التحديات الإدارية في الجوانب المتعلقة بالقرارات التنظيمية، حيث تعاني الموانئ من بطء في تخليص إجراءات المعاملات؛ مما يضيع الكثير من الوقت للمستثمر، ويؤدي إلى التأخر عن رحلات السفن المغادرة وبالتالي تأجيل الشحن، مما يدفع بعض السفن للذهاب للموانئ المجاورة للحصول على الخدمات التي تحتاجها.

أما التحديات المالية فتتمثل في ارتفاع أسعار مناولة الحاويات في الموانئ العُمانية، وارتفاع قيمة استئجار الحاويات في الموانئ حيث تبلغ ضعف الأسعار في موانئ المنطقة، مما يسهم البطيء في حركة انسياب حركة الشحن.

وبالنسبة للتحديات للوجستية فتتمثل في التأخير والبطء في إجراءات تفريغ السفن من الحاويات والعكس، وقلة عدد الرافعات، وارتفاع قيمة الدعم في وقوف السفن، وأيضا قيمة الدعم المتنوع لاحتياجاتها المختلفة من المواد التموينية كالمياه، والمواد الغذائية والوقود، والاحتكار في شركات تزويد السفن بالوقود على شركة واحدة، مما يقلل من جودة الخدمات المقدمة، وارتفاع أسعارها في غياب المنافسة التجارية.

هذا الأمر دفع العديد من الشركات الوطنية المتخصصة لفتح مكاتب لها بالدول المجاورة لممارسة أنشطتها بمردود مالي متوازن بين صاحب المؤسسة والموانئ البحرية، مما أسهم في فقدان الموانئ العُمانية للعديد من الموارد المالية.

... العديد من التوصيات التي صدرت عن المؤتمرات والندوات التي عقدت خلال الفترة الماضية إلى جانب الدراسات البحثية، ركزت على ضرورة مواجهة التحديات التي تواجه الحركة الاقتصادية في الموانئ العُمانية، وإعطاء القطاع الخاص دور محوري لتنشيط الاقتصاد الوطني وتشجيعه.. وهو المطلوب خلال الأيام المقبلة.

Hm.alsaidi2@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك