"التحرش".. آفة مجتمعية تنتهك حرية الأفراد وتكشف عن "ازدواجية الأخلاق"

(ر.خ) تروي تجربتها مع المضايقات الاجتماعية عقب عودتها من الخارج

رصدتْ التجربة - مدرين المكتوميَّة

تُمثِّل قضيَّة التحرش وما يُجاورها من معاكسات ومضايقات في مختلف صورها، ظاهرة اجتماعية في عدد من المجتمعات، وعلى الرغم من عدم تفشِّي هذه الظاهرة بدرجة كبيرة في مجتمعنا، إلا أنَّ الكثيرَ من الفتيات يعانين الأمرَّيْن جراء تطفل بعض الشباب عليهن، وعدم احترامهم لبنات مجتمعه. وفي ظلِّ تنامي الشكاوى من المعاكسات -سواء عبر الهاتف أو وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت- تتحوَّل هذه الظاهرة إلى آفة مجتمعية تنتهك حرية الأفراد، وتكشف عن مدى الازدواجية النفسية التي يُعاني منها البعض فيما يتعلق بتقييده بالأخلاق، مع ما يدعيه من تقيد بالمُثل والقيم المجتمعية.

وتقول (ر.خ) إنها تربَّت في عائلة ملتزمة، لكنها لم تجبرها يوما على منافقة الآخرين والمُضِي وراءهم دون تعقل أو إبصار، فكان لكل فرد في العائلة شخصيته المستقلة، وهو ما يتجلَّى واضحا في طريقة معيشة كل فرد؛ فهناك من الأخوات من ترتدي العباءة السوداء، وأخرى لا ترتديها، وثالثة لا تفضل التعامل مع الغرباء، وأخ شاب يهوى السفر ويحيا بالطريقة التي تروق له، لكنهم في النهاية يعيشون حياة مستقرة تخلو من المشكلات النفسية والعقد الاجتماعية، على حد وصفها. وتضيف بأنها اعتادت على العيش بطريقة مستقلة، وهو ما ساعدها على التأقلم مع الحياة خارج السلطنة؛ حيث نالت قسطا وافرا من التعليم في دولة أجنبية، وبعدما عادت إلى السلطنة لم تتخلَّ عن النموذج الذي اعتادت عليه خارج البلاد، وتشعر بأنَّها لن تستطيع تغيير المجتمع من حولها وإقناعه بأنَّ لكل فرد في المجتمع أن يحيا بطريقته الخاصة طالما لم يُؤذ الآخرين.

الحريات الشخصيَّة

وترى (ر.خ) أنَّ الحياة خارج السلطنة بطبيعة الحال تختلف في مستوى الحرية المتاح للأفراد؛ حيث تؤكد أنَّ الفتاة في الغرب لا يستطيع أي شخص النظر إليها لمجرد أنها ترتدي زيًّا ما، أو أنها تفعل أمرا مختلفا وغير معتاد عليه في المجتمع؛ فالجميع هناك يقدِّسون الحريات الشخصية، وهو ما ساعدها على العيش بحرية هناك، بل إنها اكتسبت عادات وتقاليد مرتبطة بهذه المجتمعات.

وتؤكِّد أنَّ الاختلاف بين البشر أمر ضروري وصحي؛ حيث إنَّ العلاقات الاجتماعية لا تنحصر في مسائل الحب بين ذكر وانثى، لكن تمتد إلى علاقات الزمالة والصداقة والتعامل الإنساني مع الآخرين وفق ما تتطلبه الظروف. وتتابع بأنَّها عاشت حياة مستقرة في الخارج، فلم يضايقها أحد يوما ما، ولم تتعرض لمواقف محرجة من قبيل المعاكسات أو حتى التحرش الجنسي. لكنها أشارت إلى أنها عندما عادت إلى السلطنة بعد سنوات من العيش في الغرب، وجدت واقعا مغايرا لما اعتادت عليه؛ إذ تعرَّضت لمضايقات نفسية ولفظية عدة، فتروي قائلة: "عانيتُ كثيرا منذ أن وصلت إلى المطار؛ فالجميع ينظر إليَّ ويتطلع في ملابسي وشكلي، وأشعر دوما أن عيون الناس سهام حادة مصوبة نحوي، الجميع يتفحصني من أخمص قدمي إلى شعر رأسي، لم أدرك في البداية السبب وراء ذلك، لكني لاحقا تبينت الأمر". وتضيف بأنها بعد العودة إلى عُمان، بدأت في التواصل مع صديقاتها القدامى، حيث كن يلتقين في المراكز التجارية والكافيهات العامة، والشواطئ، لقضاء أوقات سعيدة مع بعضهن البعض، لكنها كانت تتعرَّض وزميلاتها إلى قدر من المعاكسات، أو النظرات المختلسة. وتتابع: "لم أتخيَّل يوما أن عدم ارتدائي للحجاب سيتسبب في تزايد نظرات الشباب إليَّ، وأدركتُ في فترات أخرى أن طريقة معيشتي تتسبَّب في تلك النظرة من بعض الشباب وأفراد المجتمع؛ فكانت تصلني بعض الأحاديث والحكايات أن هناك من يرفض طريقة معيشتي، ويرى أنه لا يجوز لي أن أمارسها في عُمان، وهو ما كان يثير دهشتي، فمن يملك حقيقة مطلقة بأن الفتاة المحجبة هي عفيفة في المطلق، وأن غير المحجبة ماجنة تماما؟!".

نظرة ضيقة

وتمضي (ر.خ) قائلة إنَّها حاولت جاهدة تجاوز تلك النظرة المجتمعية الضيقة، لكنها لم تستطع وتعرضت لضغوط نفسية عدة، ونالتها معاكسات مختلفة من بعض الشباب الذي لا يتحلى بالأخلاق الحميدة، واحترام حريات الآخرين، والتقيد بالقوانين، فضلا عن المعاكسات الهاتفية التي لا تنتهي، والتي دفعتها إلى طلب مساعدة الشرطة التي نجحت في ضبط المتحرشين عبر الهاتف، وتوقيفهم عما يقومون به.

وتؤكد أنها تتأنى جيدا في اختيار الأصدقاء؛ إذ إنَّها تقدر المعنى الحقيقي للصداقة القائمة على التقدير والرقي في التعامل مع الآخرين.

وتؤكد (ر.خ) أنَّ الأزمة الحقيقية التي يعاني منها المجتمع، هي أنَّ بعض الشباب تخلى عن مُثل الالتزام والتعامل الطيب مع الآخرين، لاسيما الفتيات، وقرَّر من تلقاء نفسه أن يتحرش بالأخريات، مشيرة إلى أنَّ مسألة الزي والملابس لا تؤثر مطلقا في منع الشاب من التحرش، إذ إنَّ هناك فتيات محجبات ويرتدين العباءة لكنهم كذلك يتعرضن للتحرش والمعاكسات.

وتوضِّح أنها تؤمن بالحرية الشخصية للفرد، طالما أنه لم ينتهك حريات الآخرين، وأن لكل فرد الحق في تحديد مسار حياته، وفي المقابل هي لا تدعو الآخرين ليكونوا مثلها، كما لا تطالبهم بتقبل أفكارها، فقط كل ما تريد هو أن يحترم المجتمع طريقة عيشها، والتآلف على أسس الاحترام والتقدير.

وتقول إنها في كثير من الأحيان تفكر مرارا السفر مجددا للعيش خارج عُمان، على الرغم من حبها الشديد للسلطنة لأنها وطنها الذي تعشق ترابه، غير أنها في المقابل تأمل العيش بشكل مستقل دون مضايقات أو تحرشات او معاكسات، داعية الشباب الذي ينظر إلى المرأة من منظار أسود وضيق الأفق، أن يتحلى بالشجاعة واحترام الآخر والقدرة على التعامل مع مختلف الثقافات والخلفيات الفكرية.

وتشيد (ر.خ) بالقوانين المطبقة في السلطنة؛ حيث تُؤكِّد أنها تمثل رادعًا لكل من تسوِّل له نفسه في إلحاق الأذى النفسي والاجتماعي بأي فرد في المجتمع، لكنها من جهة أخرى، ترغب في أن يكف البعض عن التدخل في خصوصيات الآخرين، وأن يدرك من يمارس المعاكسات أنَّ لكل شخص حرية العيش بالطريقة التي تروق له، دون أن يقحم نفسه في صلب هذه الطريقة، وأن يمتثل الشباب إلى القوانين والقيم الأصيلة التي تربَّى عليها المجتمع، وإدراك أنَّ الله سيحاسب الجميع على أخطائهم إن أخطأوا ويكافئهم على أعمالهم الحسنة، وليس البشر هم من سيحاسبون بعضهم البعض، لأنهم في النهاية بشر مثلهم.

تعليق عبر الفيس بوك