رسائل في حُبِّ الوطن

عيسى الرَّواحي

تُواصل السلطنة احتفالاتها بالعيد الوطني الخامس والأربعين، وقد عبَّر المواطنون بصور شتى عن فرحتهم بهذه المناسبة السعيدة، التي تتزامن مع تطوُّرات إقليمية مُتصاعدة وحروب طاحنة في مناطق كثيرة، وأوضاع اقتصادية مُتقلبة يشوبها كثير من المخاوف والتحديات والعقبات؛ لذا فإنَّه لا بُدَّ أنْ نؤكِّد على نقاط مهمة ورسائل واجبة في حُبِّ الوطن يجب على المواطن والحكومة الانتباه لها، والتعامل معها بوعي شديد وحذر بالغ، خاصة في ظلِّ ما يشهده العالم من طفرة هائلة في وسائل التواصل الحديثة.

إنَّ خَوْض أحاديث الأوضاع السياسية الخطيرة التي تمرُّ بها دول كثيرة -من بينها دول الجوار والدول الصديقة- وما يشوبها من شُبهات ومُلابسات وغُموض، وما يدور حولها من تصعيد مُستمر في ظل وسائل إعلامية متنوعة ذات اتجاهات عديدة -وما للطائفية والمذهبية من أسباب رئيسة في إذكاء الحروب المستعرة- ليُوْجِب على المواطن المحب لوطنه وهو يستعمل شتى وسائل التواصل الاجتماعي أن يبتعدَ كلَّ البُعد عن الخوض في أحاديث الفتنة الطائفية والنعرات المذهبية التي لا يعرف أولها من آخرها، وأن يحذر كل الحذر من أن ينزلق في متاهات هذه الأحاديث وترهاتها السقيمة، خاصة إن لم يكن متسلحا بسلاح المعرفة والحكمة والمنطق في أدب الحديث والحوار، وعلينا أن نوقن جيدا بأن المتربصين كثر.

ورسالة أخرى يجب التأكيد عليها في جميع المناسبات والاحتفالات التي نعيشها؛ ألا وهي: التعليم؛ فإنه سلاح لابد منه في كلِّ زمان، وفي زماننا هذا أحوج ما يكون إليه كل إنسان، فبه تتقدم الأمم والشعوب، وبه تُبنى الدول والحضارات، وبه يتحقَّق الرخاء والاستقرار، وما مِنْ أمة أعطت العلم والتعليم جُلَّ اهتمامها إلا كانت السيادة والريادة حليفا لها، وما من إنسان أعطى العلم والتعليم جل اهتمامه إلا كان سيدا في قومه، مهابا بينهم.

لذا فإنَّه لا سبيل لأي رخاء اقتصادي دائم لأي وطن إلا من خلال الاهتمام بالتعليم الاهتمام الحقيقي والعناية به العناية الفائقة، وهذا ما يجب أن تُدركه الحكومة جيدا وتطبقه على أرض الواقع فعليًّا، وما يجب أن يدركه المواطن كذلك، وهو ما يُؤكِّد عليه صاحبُ الجلالة -حفظه الله- في شتى المناسبات الوطنية والمحافل الدولية التي كان آخرها كلمته السامية إلى المؤتمر العام لليونسكو في دورته الثامنة والثلاثين المنعقدة قي مقرِّ مُنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة بباريس؛ حيث أكد جلالته أنَّ التعليم هو الركيزة الأساسية لبناء الإنسان، والأداة الأهم لتحقيق غايات التنمية المستدامة، ولجعل ذلك حقيقة على أرض الواقع؛ فإنه من الضروري أن تتكاتف الجهود، وتتشارك المعارف والخبرات؛ لتعميم التعليم والحد من المرض والأمية والفقر.

إننا نحتفلُ بهذه المناسبة الوطنية السعيدة في ظلِّ مخاوف مُتنامية تنتاب الحكومة والمواطنين على حد سواء من التراجع المستمر لأسعار النفط العالمية، وما لهذا التراجع من آثار على سير التنمية والوضع الاقتصادي للمواطن الكريم، ونحن إذ نُؤمن بهذه الحقيقة لنعتقد كذلك جازمين بأنَّ الحكومة بجميع أدواتها إذا أرادت حلولا لهذه المعضلة، وتنويعا اقتصاديا حقيقيا لا يجعل النفط هو المصدر الوحيد الذي يُعتمد عليه بالشكل الأكبر، فإنها قادرة على ذلك، شريطة أن يتوافر الصدق والعزيمة والفكر الرشيد والإخلاص وقوة الإرادة وأمانة المسؤولية عند كل فرد: من مسؤول كبير إلى موظف صغير.

وفي هذا الشأن، وفيما يتعلق بترشيد الإنفاق الذي هو مسؤولية الجميع، فإننا نقول إنَّ ترشيد الإنفاق إذا أُريدت له نتائج حقيقية وثمار يانعة؛ فإنه لابد أن يشمل الوحدات الإدارية للدولة كافة، وجميع المسؤولين، وأن تكون بداية الترشيد في المواقع المتعددة التي تشهد البذخ الكبير والاستنزاف المرهق لميزانية الدولة، لا أن يكون الترشيد مُقتصرا أو مُركِّزا فقط على المخصصات المالية السنوية المحددة للأقسام والدوائر داخل المؤسسات الحكومية... والله المستعان.

issa808@moe.om

تعليق عبر الفيس بوك