الأسد أقرب من أولاند

جمال القيسي

مرة أخرى، خلال العام الجاري، يضرب الإرهاب الأعمى العاصمة الفرنسية باريس، ويُصيبها في مفاصل قاتلة حيث الهجمات في عُمق وقلب العاصمة، ووسط المقاهي والمسارح وملاعب الكرة ونبض الشارع. مرة أخرى، مع الأسف الكبير، تسقط هيبة الإجراءات الأمنية المُشددة، لتتكرر عبارات الانتشار الأمني المكثف للشرطة والجيش، ورفع حالة التأهب للدرجة القصوى، ما أدى إلى اتخاذ قرارات سريعة تضمنت إغلاق الحدود، وإعلان حالة الطوارئ التي لا تفرض بسهولة في دولة مثل فرنسا. ساعات مُرعبة توالت خلالها الهجمات في أماكن متقرفة بثت حالة الهلع في أوساط المواطنين الذين تم إبلاغهم بالتزام بيوتهم! وهي الحالة التي لم تقع في أيّ مدينة في العالم والتي دفعت ببريطانيا وألمانيا وروسيا والولايات المتحدة على التوالي خلال ساعات لرفع حالة التأهب الأمني القصوى.

وإذا كان من الطبيعي، إلى حدٍ ما، تقبلنا فكرة اختراق التنظيم الإرهابي داعش للإجراءات الأمنية العربية التي سهلت هشاشتها وقوع عمليات دامية مثل تلك التي وقعت، الأسبوع الماضي أيضًا، في الضاحية الجنوبية بلبنان وأسقطت عشرات القتلى والجرحى في سوق شعبي، إلا أنّ الحديث عن اختراق داعش لجهاز أمني بكفاءة جهاز الأمن الفرنسي مدعاة إلى البحث العميق في هذه المرحلة بالذات، عن التوقيت الذي اختاره التنظيم لتكون دمويته بين يدي مؤتمر فينيا وما سيتناوله من ملامح مستقبلية للنظام السوري في العملية السياسية المزمع التوافق عليها من كل الأطراف.

التنظيم يؤكد للمرة العشرين أنّه قادر على الضرب في أيّ مكان، وبالطريقة الأكثر ضمانة للإيقاع بأكبر عدد من الضحايا الأبرياء الذين لا يد لهم ولا ذنب سوى صدفة أنهم تواجدوا في المكان الخطأ في مسيرة حياتهم التي أنهاها عُشاق الموت، والتنظيم يحدد موعد الهجوم بالطريقة الأسلم لتنفيذه، حيث نشهد قلة في الحالات التي يتم فيها إحباط هجمات إرهابية له بالنظر إلى عدد الهجمات التي تنفذ وبعناية ودراسة دقيقة.

الجديد في هجمات باريس الأخيرة وصول داعش إلى مسافة قريبة جدًا من أعلى درجات الأمن المفترضة في شبكات الأجهزة الأمنية في البلاد، وهي نقطة تواجد الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند شخصيًا، أثناء متابعته مباراة كرة القدم في باريس، وهذه الحالة وإن كانت محل نقد شديد للأمن الفرنسي عمومًا، إلا أنّ المهم فيها، على جانب آخر، ما يدعو إلى قراءة أنّه لم يسجل ولو محاولة لداعش تستهدف الرئيس السوري، وهو على مرمى العصا من مركز قيادته في الرقة السورية، الأمر الذي يؤكد أنّ الأسد ليس عدوًا حقيقيًا للتنظيم الأعمى، بل يشير إلى أنّ النظام السوري برعايته للفوضى المُدمرة في سوريا هو أهم شريان يضخ الدم في جسد داعش. بعبارة أخرى، إذا كان ثمانية انتحاريين فعلوا بباريس (البعيدة) ما فعلوا خلال ساعة، فماذا يفعل عشرات الآلاف من هؤلاء المتوحشين في فضاء مفتوح وقريب يتمدد فيه تنظيمهم على مساحة أكبر من مساحة بريطانيا، وليسوا وحدهم الذين "يقاتلون" النظام السوري، أو هذا هو المُعلن والزعم. ولربما تدخل هذه التساؤلات في جوقة نظرية المؤامرة لكن حقيقتها ليست كذلك حيث تدل الخرائط السياسية التي يتركها التنظيم فيحتلها النظام والعكس على أن الأمر أبعد من مجرد إخراج الأسد للمُتطرفين الإسلاميين من سجون المخابرات لديه، وتسهيل انضمامهم للتنظيم.

وفي سياق غير مُنفصل، لا تخفى شماتة الرئيس السوري مما وقع لفرنسا بصريح رسالة التعزية التي قال فيها:"فرنسا عانت الجمعة من وحشية الإرهاب الذي تكابده سوريا منذ خمس سنوات"!.

وفي ظل الأنباء التي كشفت أن أحد مُنفذي الهجمات في باريس هو إرهابي مندس في صفوف المُهاجرين، علينا أن نتساءل عن عدد هؤلاء الظلاميين بين المهاجرين الأبرياء، وفي الوقت نفسه لنا أن نتخيل إلى أين يا ترى تسير مشاعر الأوروبيين والفرنسيين المُتعاطفين مع هؤلاء القادمين من وراء البحار!.

تعليق عبر الفيس بوك