انتفاضة "القدس".. مقاومة إرهاب الاحتلال

رحاب أبو هوشر

خَرَج الفلسطينيون العزل إلا من الحجارة وسكاكين المطبخ، للدفاع عن أنفسهم وعن مدينتهم القدس المحتلة، ولحماية المسجد الأقصى من اعتدءات المستوطنين والمتدينين اليهود إضافة للجنود، وهي ممارسات دائمة تصاعدت بحدة خلال السنوات الماضية، بدءا من حرق المستوطنين للفتى محمد أبو خضير (16 عاما)، في قرية دير ياسين غربي القدس المحتلة، قبل حوالي عامين، ثم توالى الاستيلاء على المنازل أو اقتحامها وتخريبها وحرقها، والاعتداء على المقدسيين في الشوارع. ولم تسلم مدن الضفة من جرائم المستوطنين، في واقعة حرق منزل عائلة "الدوايشة" في بلدة دوما جنوب نابلس، وموت أفرادها في شهر (أغسطس) الماضي؛ حيث بدأت نذر انتفاضة شاملة تلوح.

وناهيك عن وحدة الشعب الفلسطيني، فإن وحدة حاله تحت الاحتلال، أنضجت الظروف الموضوعية لاندلاع انتفاضة ثالثة. كانت كل المؤشرات تؤكد حتمية اندلاعها في السنوات الأخيرة الماضية، وأن المسألة تتعلق بالتوقيت فقط، فقد انتهى عمليا اتفاق "أوسلو" الموقع عام 1993، بعد مرور 22 عاما على توقيعه بين الإسرائيليين ومنظمة التحرير الفلسطينية، دون تحقيق أي تقدم لصالح القضية، سواء بالنسبة لإنهاء الاحتلال لأراضي 1967 وإقامة الدولة الفلسطينية، أو حق العودة للاجئين، أو غيرها من الملفات. إسرائيل ألقت للمنظمة بوهم خيار المفاوضات، لكسب الوقت فقط، بينما لم يتوقف عملها على مشاريع الاستيطان، ومصادرة الاراضي، وتزوير حقائق الجغرافيا والتاريخ، لمحو حقوق الشعب الفلسطيني، بحكم الوقائع الجديدة التي تفرضها، في الأراضي الفلسطينية، وذروة عملها في الخمس سنوات الأخيرة كانت في مدينة القدس المحتلة.

خرج نتانياهو يصرح واصفا انتفاضة الشبان والشابات، بـ"إرهاب السكاكين"، وكان على هذا المجرم أن يقول: "إرهاب السكاكين والحجارة" ضد جيش احتلال عنصري ومستوطنين مسلحين! فوجئت إسرائيل بشعب لا يموت ولا ينهزم، ويبتكر أساليبه في المقاومة، فإن كان أعزل بمواجهة أحدث آلة حرب، فإنه لا يزال يملك حجارة وسكاكين.

الإسرائيليون يواجهون تظاهرات الحجارة، وعمليات الطعن بالسكاكين، وحتى احتمالاتها، بوحشية فائقة، تذكر بممارسات عصاباتهم الصهيونية إبان احتلال فلسطين عام 1948، لتهجير العرب وطردهم، في تجاوز معلن على الهواء للقوانين الدولية التي تدعي أمام العالم الالتزام بها. تستفرد اسرائيل بالفلسطينيين، في ظل الخراب العربي، وعجز السلطة الفلسطينية عن التحرك لحماية شعبها وحقوقه، بل وتأخرها كثيرا عن قدراته وطاقاته النضالية.

الإعدامات الميدانية للشبان والفتيات، إطلاق الرصاص على الفتية الذين يلقون الحجارة على الجنود والدعوة لهدم بيوتهم، المطالبة بإبعاد أهالي المنتفضين ممن يواجهون القهر بطعن المستوطنين والجنود، وقيام المستوطنين بحرق المنازل ومزارع الزيتون. كل هذا التصعيد الإجرامي لإتمام مشروع تهويد القدس، لضمها وإعلانها عاصمة أبدية للاحتلال. واعتداؤهم على المسجد الأقصى، وسعيهم لفرض التقسيم الزماني والمكاني عليه بين الفلسطينيين واليهود، رمز فقط من رموز مشروع التهويد.

انتفاضة القدس أوجعتهم؛ فتصعيد العدوان على القدس المحتلة والأقصى، المرحلة الأخيرة في مشروع بدأ العمل عليه إثر احتلال المدينة عام 1967. وضعت منذ ذلك الزمن سياسات استيطانية، حيث سنت "قوانين" لمصادرة الأملاك والعقارات، ومنع المقدسيين في الخارج من العودة إلى مدينتهم كما سحبت هوياتهم، وحوصر الصامدون فيها بالأعمال العدوانية، لإجبارهم على المغادرة، ونزع الهوية العربية الفلسطينية عن المدينة، وإحلال المستوطنين تدريجيا.

وأخطر ما يهدد استمرار هذه الانتفاضة، حدوثها في ظل انقسام وطني بين حماس والسلطة، وما يترتب عليه من افتقاد القيادة الوطنية المركزية، والقرار السياسي الواحد. أما إذا استمرت الانتفاضة، فإن حالة الانقسام وعدم وجود برنامج وطني موحد يثير الأسئلة عن مآلاتها وأهدافها. هل ستنتهي نهاية الانتفاضتين السابقتين، بتقديم تضحيات شعبية جسيمة دون إحراز أي انتصار وطني؟

لقد قدَّم الشعب الفلسطيني في انتفاضات تحرره آلاف الشهداء والمصابين والمعاقين في الانتفاضتين الأولى والثانية. انتفاضة "الحجارة" الأولى بدأت عام 1987، وانتهت تماما عام 1993 بتوقيع "أوسلو" وتشكيل سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية الحالية؛ حيث عادت القضية الفلسطينية إلى مستوى الصفر، وقضي على نضال ثورة بدأت عام 1965، بل وانتهى معها ميثاق التحرر الوطني. أما انتفاضة "الأقصى" الثانية، فجاءت إثر اقتحام "شارون" للمسجد الأقصى، وامتدت من عام 2000 وحتى 2005، وكانت تضحياتها فادحة، بين أكثر من 5000 شهيد، وحوالي خمسين ألف مصاب، واجتياحات اسرائيلية متكررة، لتنتهي باتفاق هدنة بين "شارون" ومحمود عباس في شرم الشيخ، وبقي الاحتلال والمحتل.

من حق الشعب الفلسطيني أن يحظى بقيادة سياسية وطنية وموحدة، قادرة على استثمار انتفاضاته وتضحياته وعذاباته، لخدمة قضيته الأساس في مشروع تحرره الوطني.

تعليق عبر الفيس بوك