الجهاد ضد روسيا بالبيانات

صالح البلوشي

كما كان متوقعا؛ أصدر ما يُسمَّى بـ"الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين"، بيانا نُشر يوم الأحد الماضي، أدان فيه التدخل الروسي في سوريا، ودعا "الأمة الإسلامية والعربية -شعوباً وعلماء وحكاماً- لرفض التدخلات الروسية في سوريا"، كما طالب البيان باتخاذ "قرار أممي يقضي بحظر طيران قوات نظام بشار الأسد وداعميه فوق سوريا". والدعوة إلى "مقاومة التدخلات الدولية في عالمنا العربي والإسلامي، خاصة في القضية السورية التي ظهر واضحا تدخل القوات الروسية والإيرانية وميليشيات لبنانية وعراقية، لدعم نظام الأسد المجرم بذريعة محاربة الإرهاب". وقد صدر هذا البيان مذيلا بتوقيعي رئيسه يوسف القرضاوي وأمينه العام علي القرة داغي. من لا يعرف من هو القرضاوي الذي صدر البيان باسمه فهو الذي شرعن وأيد التدخل الأطلسي في ليبيا، الذي تسبب في مقتل عشرات الآلاف من الليبيين وتشريد آلاف آخرين وأحرق الأخضر واليابس في هذا البلد، وهذا القرضاوي هو نفسه الذي طالب عدة مرات بالتدخل الأمريكي في سوريا، نعم سوريا، التي يدعو اليوم إلى مقاومة التدخل الروسي فيها. فهل التدخل الأمريكي العسكري حسب فتاوى القرضاوي هو حلال، أما الروسي فهو حرام ويجب مقاومته؟ ألم يقل القرضاوي مرة في خطبة الجمعة بتاريخ 28/4/2013 بجامع عمر بن الخطاب بالدوحة: "لماذا لم تفعل أمريكا مثلما فعلت في ليبيا؟ على أمريكا أن تدافع عن السوريين وأن تقف وقفة رجولة، ووقفة لله، وللخير والحق"، ولم ينس القرضاوي في الوقت نفسه أن يشكر الأمريكان على دعم المسلحين السوريين وقال: "نشكر الولايات المتحدة الأمريكية على تقديمها السلاح للمقاتلين بقيمة 60 مليون دولا ونطلب المزيد"، إذن، فحسب القرضاوي فإنه يعتبر التدخلات الأمريكية "وقفة لله" أما التدخلات الروسية فهي شيوعية وإلحادية وعدوانية والويل لها، ويجب على المسلمين مقاومتها! ولم يوضح القرضاوي ما هي الأدلة الشرعية -باعتباره رجل دين- التي تجيز الاستعانة بالولايات المتحدة في قصف الدول العربية وتدميرها وتحظر ذلك على روسيا؟ مع أنه مرفوض من أي أحد وتحت أي عنوان كان، ولكن من يقرأ تاريخ الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية كالسرورية وغيرها يدرك جيدا أنهم يجعلون المصالح الحزبية الضيقة فوق كل اعتبار، حتى لو تعارضت مع الدين نفسه.

ويبدو أن التدخل الروسي -الذي جاء بطلب من الحكومة السورية للمساعدة في القضاء على الجماعات المتطرفة هناك- شجَّع دعاة آخرين أيضا على المشاركة في "الجهاد المقدس" الذي يتمثل في التوقيع على بيانات الإدانة واستنفار المسلمين "للجهاد وبذل الغالي والنفيس للذب عن ديار المسلمين"، فقد أصدر مجموعة من الدعاة السعوديين بيانا جهاديا آخر دعوا فيه إلى الجهاد في سوريا ضد ما أسموه "التدخل الروسي الذي لم يأتِ إلا لإنقاذ النظام السوري من هزيمة محققة"، وخُتم البيان بهذه العبارات والكلمات التي نقرأها عادة في المواقع المتطرفة "فهذا يومكم، الله الله في إسلامكم ودياركم وأعراضكم، فما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا، أقبلوا على جهاد عدو الله وعدوكم فالله معكم، والمسلمون خلفكم بكل ما يستطيعون بإذن الله". أصحاب البيان البائس تجاهلوا أن الدم السوري يُسفك منذ خمسة أعوام كاملة دون أن يتحفنا هؤلاء "المجاهدون الأشاوس" ببيان واحد يطالبون فيه بوقف هذا النزيف؟ فأين كانت هذه "النصرة" للشعب السوري كل هذه السنوات؟ ألم يعرف هؤلاء معاناة الشعب السوري إلا عندما تدخلت روسيا في هذا البلد؟ لماذا لم نسمع عن داعية واحدا "استشهد" في سوريا أو العراق؟ ولماذا لم نشاهد تسجيلا واحدا لداعية فجّر نفسه هناك؟ أو على الأقل أحد أبنائهم أو أقربائهم أو حتى جيرانهم حتى الجار السابع؟ كان الأولى بهؤلاء "الدعاة الحزبيين" الذين لا يعرفون الجهاد إلا من وراء شاشات الحواسيب أن يبادروا إلى الذهاب بأنفسهم إلى "ساحات الوغى" حتى يكونوا خير قدوة للشباب المؤمن الذين يطالبونهم بالجهاد، ثم، ألا يطالب هؤلاء السرورية أنفسهم منذ عدة سنوات بتدخل عسكري أمريكي في سوريا؟ إنه المنطق الحزبي والهوى الطائفي الذي غلب على هؤلاء فأصبحوا لا ينظرون إلى الأحداث إلا بعين طائفية فقط. ثم، هل هؤلاء الموقعون على البيان يمثلون مرجعية دينية كبرى للمسلمين حتى يُفتوا بالجهاد؟ بالتأكيد الجواب هو النفي، فهم ليسوا سوى مجموعة من الحزبيين والحركيين وأساتذة الجامعات والدعاة تجمعهم مصالح حزبية ضيقة ينطلقون من خلالها في أحاديثهم ومحاضراتهم وبياناتهم ومؤلفاتهم، وينتمي معظمهم إلى "الفرقة" السرورية المتطرفة التي جمعت بين فتاوى ابن تيمية والحزبية الثورية لسيد قطب، وهؤلاء السرورية اعتادوا على العيش على قضايا الأمة ومشاكلها، ولكن لم يفكر أحدهم يوما في أن يذهب بحزام ناسف أو سيارة مفخخة ليفجر نفسه في العراق أو سوريا أو ليبيا أو يرسل أحد أبنائه، وإنما كل بضاعتهم إصدار البيانات والتوقيع عليها وهم قابعون في مكاتبهم الفاخرة أو منازلهم الفارهة المكيفة بأجهزة التكييف الحديثة وأحدث أجهزة الاتصالات الحديثة من حواسيب وهواتف..وغيرها. وأذكر في هذا الصدد الداعية الشهير محمد العريفي الذي خطب خطبة "عصماء" في مسجد عمرو بن العاص بالقاهرة يوم 14 يونيو2013م ودعا فيها "شباب الأمة" إلى النفير العام والتوجه إلى سوريا للجهاد المقدس ضد الجيش السوري، ثم ذهب مباشرة إلى بريطانيا للسياحة والاستمتاع بأجوائها الجميلة، تاركا أمر الجهاد للشباب المتطرفين.

تعليق عبر الفيس بوك