هيهات...!

المعتصم البوسعيدي

لا أدري أهو العالم الذي تتسارع فيه الأحداث؟! أما هي نظرتنا لها وللمتغيرات؟! لا أدري أنظل نبحث عن بسمة نوزِّعها، أم عن دمعة نمسحها ونطبب خاطرها؟! كلما حان وقت الكتابة عن الرياضة يشدني الحلم -أحيانًا كثيرة- قبل أن يعيدني حبر الواقع وصوت هيهات!

صافرة تشدو بلحن جميل، لكنها لا تطرب (الحي)؛ فالزمن هذا بات يعشق (النشاز) أكثر لاعتبارات واهمة، فقد سُحب البساط من القمر للتغزلِ بالمحبوب، ومع ذلك فإن الشمس لا يُمكن أن تُغطى "بغربال" فمن بين كل الضباب هناك صورة جميلة مختبئة في مكان ما نحتاج أن نفتش عنها ونخرجها لواقعنا كمثل صافرة قضاة ملاعبنا الذين تمر علينا انجازاتهم مرور الكرام، فلا نُعيرهم انتباها حتى إذا ما علت صافرة خاطئة أو رفرف علم في غير حدوده صِحْنا "ارحمونا من مغتصبي الحق وقاتلي الطموحات"، مدركين جميعًا أن أفضل الحكام أقلهم أخطاءً، لكنها هيهات وشديدنا الذي هو الشديد بالصَّرعة لا الذي يمسك نفسه عند الغضب، إلا من رحم ربي!!

*****

الفيفا بعد سطوة المجد، وكرسيه العاجي وتدفق الملايين مع استقلاليته التي هدد ويُهدد بها الدول والحكومات عند المساس بشؤونه، يبدو أنه كان (كالبالون) الذي زاد حجم الهواء بداخله؛ لينفجر أخيرًا وتتوزع قطع بالونه ذات الرائحة "النتنة" على كل الجهات، ويبدو أن قائمة الفساد معرضة للزيادة بعد دخول بلاتينيعلى الخط وبدء التحقيق مع "الرئيس" وسط ترشيحات الرئاسة للانتخابات المقبلة، قضية تعود بنا لقضية "المتنبي" مع سيف الدولة الحمداني "فيك الخصامُ وأنتَ الخصمُ والحكمُ" فمن يُحاكم من؟! ومن يحارب فساد الفيفا؟! أهم أصحاب النزاهة الذي يتعللون برغبة التطهير وهم أشبه ما يكونوا بمدعو السلام العالمي الذين يوزعون قُبلات سلامهم ومحبتهم لشعوبِ العالم بالقنابلِ والصواريخ باسم الحرية والديمقراطية، وفقط علينا وضع "فلاش باك" على نتائج محبتهم وحريتهم السابقة لنتعلم الدرس، ولكن هيهات!!

*****

تزاحمتْ وسائل التواصل الاجتماعي بخبر ثورة الكتلان أو ما يعرف بالمطالبة بانفصال كتلونيا عن اسبانيا، الأغلبية الساحقة في مجتمعنا المحلي -إن لم يكن العربي بشكل عام- ضيَّقت الدائرة في تداعيات الانفصال-الذي لم يتم بعد- واختزلتها في نادي برشلونه والتأثير الذي سيحدث وحجم الخسارة المالية على النادي، ومن ثم هجرة اللاعبين، كما استفاضوا بالحديث عن انتهاء الكلاسيكو بمتعته وإثارته، بل بعضهم تحدث عن نهاية المتعة الكروية كما يتصورها هو في ثوب البارسا لا غير، وحتى تكتمل صورة استقراء المشهد كان لابد أن يُقحم ريال مدريد في الموضوع من باب "فش خلق" كما يقول إخوانا اللبنانيين، هذا الاستباق المستقبلي القريب منه والبعيد ذكرني بقصة قديمة؛ حيث يُحكى أن ناسكًا كان له عسل وسمن في جرة، ففكر يوما فقال: أبيع الجرة بعشرة دراهم، وأشتري خمسة من الغنم فأبيعها في كل سنة مرتين، ويبلغ الناتج في سنين مائتين، وأشتري بقراً، وأصيب بذرا فأزرع، وينمو المال في يدي، فأتخذ المساكن والعبيد والإماء والأهل ويولد لي ابن فأسميه كذا وآخذه بالأدب، فإن هو عصاني ضربت بعصاي رأسه، وكانت في يده عصا فرفعها حاكيا للضرب، فأصاب الجرة فانكسرت، وانصب العسل والسمن على رأسه. وعلى مثل هذا الناسك قادنا التفكير في الانفصال وتداعياته الكروية مبتعدين عن الحقيقة الأعمق التي لا تهمنا كثيرًا، وهيهات أن نفكر في تداعيات الأزمة الاقتصادية على رياضتنا -مثلاً- والحلول المبتكرة لحلحة مشاكلنا، وفي ظل ذلك فإن ما فقدناه بالرخاء سنفقد أضعافه في "الشقاء"!!

*****

في أحد مطاعم العاصمة مسقط يوجد بقائمة طعامه "سلطة التأمل"، أعجبني الاسم والطعم أيضًا، ومن الجيد أن تتذوقوا هذه "السلطة" إن لم تكن بالشكل المادي فليكن بالشكل المعنوي؛ التأمل في كل ما يدور حولنا وفي "هيهات" التي نُبعِدها وتُبعِدنا عن مسببات القدر السعيد -إن شاء الله- وكما يقال: "أما أن تفكر أو سوف يفكر لك الآخرون ويحجمون ميولك الطبيعية ويفرضون عليها رقابتهم ويحاولون تثقيفك حسب رغبتهم"، "والمعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء"، ولكن هيهات!!

تعليق عبر الفيس بوك