انتخابات مجلس الشورى.. طموحات كبيرة ومسؤولية أكبر على المواطن

الرؤية الثاقبة لجلالة السلطان راعت التدرُّج بالمجتمع من الاستشارة إلى الشورى

25 أكتوبرالمقبل مُنعطف مهم في تاريخ الديمقراطية العُمانية والعربية

التجربة البرلمانية في السلطنة شهدت نقلات نوعية منذ فجر النهضة المباركة

"الشورى" داعم ومراقب ومتابع لمسيرة التنمية

596 مترشحا لعضوية المجلس للفترة الثامنة بينهم 20 امرأة

توسيع صلاحيات المجلس تعزيز للعمل البرلماني بتجسيد عالٍ للديمقراطية والشفافية

المجلس وبرعاية سامية يسير بخطى حثيثة لكي يحقق مصلحة الوطن والمواطن

إقبال كبير متوقع على عملية الاقتراع لتجسيد الحالة البرلمانية التي وصلت إليها السلطنة

الناخبون مطالبون بالتدقيق في اختيار المرشحين ليكون المجلس بحجم التطلعات

ينظرُ الكثيرُ من المحللين والمراقبين محليًّا وعربيًّا وإقليميًّا إلى مَوْعد انتخابات مجلس الشورى في السلطنة يوم الخامس والعشرين من أكتوبر المقبل، على أنَّه مُنعطف مُهم في تاريخ الديمقراطية العُمانية والعربية والإقليمية؛ نظرا للنقلات النوعية التي شهدتها التجربة البرلمانية في السلطنة منذ بدايات عصر النهضة المباركة، والتي سارت وفق رؤية ثابتة وثاقبة من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- والتي راعتْ حالة التدرُّج بالمجتمع من الاستشارة إلى الشورى إلى الأدوار الرقابية والتشريعية كما حدث في الدورة الماضية من عُمر المجلس.

وإزاء حالة الترقُّب المحلية والإقليمية التي يحظى بها مجلس الشورى والتجربة البرلمانية العُمانية، فإنَّ هناك حالة مُفعمة بالطموحات من قبل المواطنين أن يستمرَّ المجلس في تقديم بلورة حقيقية لتطور نهج الشورى في السلطنة، والتي ينظر لها العُمانيون باعتبارها تجربة قديمة جدًّا في الدولة العُمانية، بل ربما كانت الأقدم إقليميًّا، وإن لم تكن بالشكل المتعارف عليه اليوم؛ فالشورى كانت حاضرة في كل مناحي الحياة العُمانية -بدءا من الجوانب السياسية، وليس انتهاء بالتفاصيل الاجتماعية- ولا يُمكن في هذا السياق تجاوز دور السبلة العُمانية باعتبارها شكلًا من أشكال الشورى، بل شكلاً من أشكال الحياة الديمقراطية، وإن تواضعت الأشكال، ولكن يبقى الجوهر هو المهم.

مسقط - العُمانيَّة

إنَّ حالة التدرُّج التي شهدتها تجربة الشورى في السلطنة خلال السنوات الماضية انعكستْ كثيراً على حالة الاستقرار التي يعيشها المجتمع العُماني، وعلى مختلف الصُّعد السياسية والاجتماعية والثقافية. فالقفز فوق المراحل ليس ظاهرة صحية دائما، سيما ما يتعلق بقناعات المجتمع التي تحتاج إلى فعل تراكمي يُراعي تطور المجتمع من زوايا كثيرة. فلم تكن تجربة الشورى في السلطنة حالة من حالات الترف، بل كانت ضرورة مُلحَّة واستراتيجية في إشراك المواطن وإيجاد نوع من الشراكة بين المواطن والحكومة، وصولا إلى حالة من التكامل في مرحلة البناء؛ لذلك لم يكن مجلس الشورى خلال مسيرته بمنأى عن مسيرة التنمية في السلطنة، بل كان داعما ومتابعا ومراقبا وحاثا على تطورها، وهو ما يدعو إلى الفخر بالتجربة العُمانية الخالصة وبتطورها المستمر.

تطور التجربة

وبعد المهام التي باتت منوطة بمجلس الشورى، بات المراقبون ينظرون إلى تطور التجربة بشكل أكثر عُمقاً، وينتظرون النتائج التي يمكن أن تخرج بها الدورة الجديدة من دورات المجلس، سيما بعد مرور دورة كاملة منذ أن تمتَّع المجلس بمجموعة كبيرة من الصلاحيات التي عزَّزت دور المجلس في صنع التشريعات والقيام بدور الرقابة على عمليات تنفيذ التنمية وعمل الجهات والمؤسسات الخدمية في البلاد.

وإذا كان العالم ينظر إلى عُمان باعتبارها تجربة فريدة ليس في واقعها الطبيعي فقط -بل في فكرها السياسي وصيرورة التنمية فيها- فإنَّ العالم مُهتم أيضا بالسياق الديمقراطي؛ باعتبار أنَّ الديمقراطية اليوم هي الحالة الأكثر بحثا والأكثر وهجاً لدى شعوب القرن الحادي والعشرين.

وفي إطار الإعداد لانتخابات مجلس الشورى، كشفت وزارة الداخلية أنَّ عدد المترشحين لعضوية المجلس للفترة الثامنة بعد انتهاء فترة تقديم طلبات سحب الترشح يوم 25 من أغسطس الماضي، بلغ 596 مرشحاً؛ بينهم: 20 امرأة.

وبحسب هذه الإحصائية النهائية لعدد المرشحين، فإنَّ إجمالي عدد المرشحين في محافظة مسقط بلغ 70 مرشحاً، وبلغ العدد النهائي لمرشحي محافظة ظفار 126 مرشحاً، فيما بلغ عددهم في محافظة مسندم 15 مرشحاً، وفي محافظة البريمي بلغ عدد المرشحين بولاياتها الثلاث 22 مرشحاً، وبلغ عدد مرشحي محافظة الداخلية 77 مرشحاً. كما أصبح عدد المرشحين بمحافظة شمال الباطنة 60 مرشحا، وبالنسبة لمحافظة جنوب الباطنة فقد بلغ عدد مرشحيها 61 مرشحا، أما في محافظة جنوب الشرقية فبلغ عدد المرشحين 53 مرشحا، ومحافظة شمال الشرقية 42 مرشحا، وجاء عدد مرشحي محافظة الظاهرة 39 مرشحا، و31 مرشحا في محافظة الوسطى.

وتكشفُ هذه الأرقام حالة إقبال جيدة جدًّا للترشح لعضوية مجلس الشورى، سيما في ظل الصلاحيات الجديدة التي يتمتع بها المجلس.

ومن المنتظر أن تشهد عملية الاقتراع يوم 25 أكتوبر المقبل إقبالاً كبيراً، يجسِّد الحالة البرلمانية التي وصلت إليها السلطنة.

صلاحيات واسعة

وقد مرَّ مجلس الشورى بالكثير من المحطات والمنعطفات المهمة في تاريخ الديمقراطية العُمانية الحديثة، إلا أنَّ النقلة النوعية التي شهدها المجلس بدءا من الدورة السابعة (2011-2015) تعدُّ الأكثر عمقاً في تاريخ المجلس.

فقد كان المرسوم السلطاني رقم (99/‏2011) الذي نصَّ على إجراء تعديلات في بعض أحكام النظام الأساسي للدولة والذي خصص الباب الخامس منه لمجلس عُمان بشكل عام، ومجلس الشورى بمثابة نقلة أدخلت المجلس إلى مرحلة عمل جديدة في إطار التطور الذي تشهده السلطنة في مختلف المجالات، والتي تعزز العمل البرلماني بتجسيد عالٍ للديمقراطية والشفافية، وبما يتناغم مع التطوير الشامل ومتطلبات المرحلة المقبلة التي تتسع لمشاركة المواطن في صنع القرار بشكل أوسع وأعمق.

وكان انتخاب المجلس لرئيس له من بين أعضائه أول ممارسة فعلية للصلاحيات الجديدة خلال الفترة السابعة للمجلس وهي المرة الأولى التي يتم فيها انتخاب رئيس المجلس من بين أعضائه.

كما يتمتَّع المجلس بصلاحيات واسعة في مجال المشاركة في دراسة مشروعات الموازنات العامة للدولة والخطط التنموية الخمسية وإقرار الاتفاقيات الاقتصادية والاجتماعية التي تعتزم الحكومة إبرامها أو الانضمام إليها. كما أن له حقَّ استجواب وزراء الخدمات في الأمور المتعلقة بتجاوز صلاحياتهم القانونية -إذا حدثت- وغيرها من الأدوات الرقابية المعززة لدور المجلس؛ ومنها: تقديم الأسئلة والرغبات وطلبات المناقشة...وغيرها من أدوات العمل البرلماني. وللمجلس حقُّ اقتراح مشروعات قوانين لتعزيز جهود التنمية الوطنية، والمشاركة في إعداد مشاريع خطط التنمية الخمسية؛ حيث يُشارك رئيس المجلس في عضوية اللجنة العليا الرئيسية لخطط التنمية الخمسية التي تضع الخطوط العامة والمرتكزات الأساسية للخطة ومتابعة تنفيذها. ويقوم المجلس بمناقشة خطة التنمية الخمسية، وكذلك الموازنة العامة للدولة، بحضور الوزير المختص للرد على أي استفسارات من جانب أعضاء المجلس، قبل إصدار المرسوم الخاص بكل منها والعمل به، كما يقوم المجلس بدراسة وإبداء الرأي فيما يحيله حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- أو مجلس الوزراء الموقر من مواضيع إلى المجلس، ويعيد المجلس هذه المواضيع مقرونة بتوصياته ومقترحاته بشأنها إلى الجهة التي وردت منها، كما يرفع رئيس المجلس تقريرا سنوياً إلى جلالة السلطان بنتائج أعمال المجلس.

مراحل النمو التطور

وقد مرَّ المجلس قبل أن يصل إلى هذه المرحلة من العمل البرلماني بالكثير من عمليات النمو والتطور؛ فمن 59 عضواً يمثلون مجمل ولايات السلطنة بواقع عضو واحد لكل ولاية يتم ترشيحهم عن طريق الشيوخ والأعيان فقط في بداية الفترة الأولى لمجلس الشورى (1991-1994م)، إلى توسيع قاعدة المشاركة وزيادة عدد الأعضاء بأخذ التعداد السكاني للولايات في الحسبان عند تشكيل المجلس لفترته الثانية (1994-1997م)، والعمل بقاعدة عضوين لكل ولاية يصل تعدادها السكاني إلى 30 ألف نسمة فأكثر، وعضو واحد للولايات التي يقل تعدادها عن 30 ألف نسمة.

وعند بدء ترشيحات الفترة الثالثة (1998/2000م) تم فتح الباب أمام المرأة العُمانية للترشح والانتخاب في مختلف محافظات ومناطق السلطنة بعد نجاح التجربة في محافظة مسقط التي مثلت سابقة على مستوى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. وقد عرفت هذه الفترة عدة تطورات؛ تمثل أهمها في: زيادة أعداد الذين يحقُّ لهم المشاركة في التصويت وتنظيم إجراءات الترشيح وشروطه وإعلان نتائج الترشيحات بناء على لائحة تنظيمية صدرت لهذا الغرض.

وفي الفترة الرابعة (2000-2003م) خطا نظام المجلس خطوة مهمة على طريق انتخاب الأعضاء، فأصبحت أصوات الناخبين هي المعيار الوحيد للفوز بعضوية المجلس في فترته الرابعة، وقفزت نسبة مشاركة المرأة في الانتخابات إلى 30% من مجموع الذين يحق لهم التصويت في الانتخابات والذين وصل عددهم الإجمالي إلى 175 ألف مواطن ومواطنة.

وفي سياق هذا التدرج، وصل مجلس الشورى في فترته الخامسة (2003-2007) إلى مرحلة الانتخابات العامة الحرة المباشرة عن طريق الاقتراع السري، بعدما تم تعميم حق الانتخاب لكل مواطن ومواطنة يبلغ من العمر واحداً وعشرين عاماً، ولتتسع قاعدة الناخبين في هذه الانتخابات التي أجريت في الرابع من أكتوبر 2003م لتبلغ 822 ألف مواطن ومواطنة بعد أن كانت 5900 مرشح من الذكور في ترشيحات الفترة الأولى للمجلس في العام 1991م، وليتألف المجلس في فترته الحالية من 84 عضواً؛ بينهم: امرأة واحدة نجحت في الفوز بعضوية المجلس للفترة السابعة.

وفي ضوء هذا التطور المتواصل، فإنَّ مجلس الشورى يسير بخُطى حثيثة، وبرعاية سامية من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم -حفظه الله ورعاه- ليقوم بدوره المنشود في إطار نهج الشورى العُمانية ولكي يحقق مصلحة الوطن والمواطن، ويتيح فرصة واسعة لمشاركة المواطنين في صنع القرار من خلال عضوية المجلس، وهو ما يفرض ضرورة حرص جميع الناخبين على التدقيق في اختيار مرشحي ولاياتهم عند الإدلاء بأصواتهم ليكون المجلس على قدر ما هو معلق عليه من آمال، خاصة وأنَّ حكومة حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم قد وفرت كل ما يُحقق نجاح وشفافية الانتخابات المقبلة.

تعليق عبر الفيس بوك