مختصون: لا بديل عن ترشيد النفقات لمواجهة عجز الميزانية.. والضرائب وإلغاء الدعم "الدواء المر"

طالبوا بتهيئة المواطن قبل اتخاذ أيّ قرار لتفادي الاستياء الشعبي.. والتوعية بضروريات المرحلة أولوية كبيرة

اللواتي: الظروف الحالية لا تسمح بفرض ضرائب ورفع الدعم.. وترشيد الإنفاق هو الحل

سنجور: توجيه الدعم إلى مستحقيه عبر آلية تضمن التوزيع العادل.. ومن الظلم مساواة الغني بالفقير

الهادي: التدرج في تطبيق الضرائب ورفع الدعم يقلص الضغوط الشعبية

الشيزاوي: السلطنة غير مستعدة لأي إجراء يضر بالمواطن

أجمع مختصون على أهمية اتخاذ الدولة حزمة من القرارات التي تساعد في خفض عجز الميزانية الآخذ في الزيادة في ظل تراجع أسعار النفط وغياب الموارد البديلة لتغطية الفارق بين نقص الإيرادات وزيادة المصروفات، مشيرين إلى أن الخطوة الأولى في هذا السياق تتمثل في ترشيد النفقات والحد من المصروفات الزائدة التي لا تسمح الظروف الحالية بالاستمرار فيها.

وقال المختصون إنّ الضرائب وإلغاء الدعم عن المحروقات يمثلان أحد أبرز القرارات التي يمكن اتخاذها في ظل هذه الظروف، لكنهم أكدوا أن السلطنة غير جاهزة حاليًا لتنفيذ مثل هذه القرارات، لاسيما وأنه لا أحد يدرك عواقب مثل هذه القرارات وتأثيراتها الشعبية.

ونصح المختصون بضرورة توعية المواطن بالظرف الراهن الذي يمر به الاقتصاد، والحاجة الماسة إلى البحث عن موارد دخل بديلة عن النفط الذي تهاوت أسعاره وأثرت بالسلب على موارد الدولة، علاوة على التوسع في تنويع مصادر الدخل وتفادي إصدار المزيد من السندات الحكومية على المدى الطويل.

الرؤية - أحمد الجهوري

وقال سعادة توفيق اللواتي عضو مجلس الشورى عن ولاية مطرح إنّ من الصعب في الوقت الحالي فرض ضرائب على الشركات، في ظل التنافس بين دول المنطقة لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية والتي لا تفرض الضرائب على الشركات لديها، مشيرًا إلى أنّه في حالة فرض ضرائب بالسلطنة سيتلاشى أحد أبرز عوامل جاذبية الاستثمار، واستقطاب الشركات للعمل في السلطنة. وأوضح أنّ وجود الشركات الكبرى في أيّ بلد يحقق العديد من الآثار الإيجابية، كما أنّها تُسهم في تنشيط مختلف الأنشطة الاقتصادية الأخرى المرتبطة بها. وضرب مثالاً على ذلك، بأنّ الشركة التي يعمل فيها ألفا موظف، تحتاج إلى ألفي وحدة سكنية، بما ينعش سوق العقارات، علاوة على احتياجات المأكل والمشرب، والذي بدروه ينعش القطاعات الأخرى.

ونفى اللواتي معارضته لمسألة فرض ضرائب على الشركات، لكنه أوضح أنّه يرفض ما وصفها بالقرارات "الارتجالية غير المدروسة"، مشيرًا إلى أهمية اتخاذ أي بطريقة صحيحة ومدروسة، والتعرف على التحديات والصعوبات والتداعيات التي ستنتج عنها، لتفادي أن يكون فرض الضرائب مؤثرًا على المواطن، وألا يؤثر كذلك على العاملين في هذه الشركات، التي ربما تضطر إلى تصفية أنشطتها وتسريحهم، وبالتالي تخسر الدولة الضرائب وفرص عمل للمواطن، وهو ما قد يدفع كذلك إلى تزايد عدد الباحثين عن العمل بعد أن كانت الشركة تتكفل بتوظيفهم مما سوف يسبب عبئاً على الحكومة في البحث عن وظائف جديدة لهم.

ولفت إلى أنّ فرض الضرائب على الشركات ربما يدفعها إلى العمل في دول أخرى مجاورة، ويتحايل على هذه الضرائب.

حصيلة الضرائب

وتابع اللواتي قائلاً إن فرض الضرائب على الشركات ربما يعكس نظرة ضيقة قد تدفع الشركات إلى الانحساب من السوق، ونقل خدماتها إلى بيئة عمل أفضل في بلد آخر، لافتاً إلى أن العديد من الشركات العالمية تسير على هذا النهج، حيث تغلق مكاتبها في بلدانها وتفتتح هذه الأنشطة في دول لا تفرض ضرائب.

وأوضح أن فرض الضرائب، مقترن بشركات النفط والغاز والشركات التي تتعامل مع الحكومة مباشرة، ومع انخفاض أسعار النفط، قد تتراجع أنشطة هذه الشركات، وبالتالي انخفاض الأرباح، وقلة الإيرادات الضريبية.

غير أن اللواتي شدد في المقابل على أهمية ترشيد الإنفاق وتوجيه الإنفاق إلى توفير الخدمات اللازمة للمواطن والعناية بالأجيال القادمة، مشيرا إلى أن فرض الضرائب على الخدمات لا يمثل الخيار الجيد. وأشار إلى أنه على سبيل المثال، هناك مدارس خاصة في السلطنة تكلفة الطالب فيها تتجاوز الألفي ريال، فيما أن مصروفات المدرسة الحكومية لا تذكر، فهل يكون الحل رفع تكلفة التعليم الحكومي، والإجابة لا، حيث إن ذلك سيحرم غير المقتدر من الحصول على فرصته في التعليم، والذي ينبغي أن يتوفر للجميع، وكذلك الحال في المستشفيات الحكومية. وأوضح أن النظام العالمي لاسيما في الدول الغربية، يسير وفق الشراكة بين المواطن والحكومة، حيث يدفع المواطن الضرائب المطلوبة منه، لكنه في المقابل شريك في اتخاذ القرار بصورة كبيرة، ويستطيع منع الحكومة من تنفيذ مشروع ما ربما لن يعود عليه بالنفع، وذلك لأنّه في نهاية المطاف دافع ضرائب، هو الذي يمول ميزانية الحكومة. ولفت إلى أن الأنظمة في دول المنطقة لا تسمح بهذا القدر من الشراكة، فالسائد أنه لا تزال الحكومات تخطط بعيدًا عن المواطن، لذا فإنه حتى لو دفع الضرائب لن يتمكن من المشاركة في صنع القرار، إذ إن الحكومات تضع الخطط المستقبلية والآنية دون نقاش أو إعادة نظر فيها من قبل أي مؤسسة أخرى.

وتحدث اللواتي عن رفع الدعم عن المحروقات، وقال إن رفع الدعم في الوقت الحالي ومع انخفاض أسعار النفط لن يكون له التأثير الكبير، غير أن السلطنة بحاجة إلى تصدير أكبر قدر من النفط للحصول على أعلى قدر من العائدات الدولارية. وأضاف أن السلطنة تعاني من سوء استخدام موارد الطاقة والوقود، إذ إن المستفيد منه يحصل عليه بسعر رخيص، وفي المقابل يتعين على المواطن أن يدرك أن الأمور لم تعد سهلة مثل السابق، وأن الدولة ليس بمقدورها تحمل دعم كل شيء وأن يتحمل ويساهم بدوره كذلك.

تنويع مصادر الدخل

فيما قال الدكتور سعود عبد الكريم سنجور الباحث الاقتصادي إن الظروف الحالية تفرض على الدول المصدرة للنفط، ضرورة إيجاد مصادر دخل بديلة عن النفط، وأن تسعى الدولة إلى تنويع مصادر الدخل. وقال إنه إذا كان هناك من خيار بين رفع الدعم أو فرض ضرائب، فالأولى أن يتم رفع الدعم، عن المحروقات. وأوضح أنه في حال قيام الدولة برفع الدعم بطريقة قانونية وتدريجية فإنّه لن يؤثر على حياة الفرد بشكل مباشر، فعلى سبيل المثال ترفع الحكومة الدعم عن المحروقات بلا استثناء وتحتسب حصة الفرد العماني من قيمة الدعم، على أن يتم دفعه للمواطن بشكل مباشر وبآلية محددة. وأوضح أن الموظفين يحصلون على الدعم من خلال رواتبهم والمتقاعدون إلى معاشات تقاعدهم ومستحقي معاشات الضمان الاجتماعي إلى مستحقاتهم، وكذلك موظفي القطاع الخاص إلى رواتبهم، أو أن توزع بطاقات ممغنطة مربوطة إلكترونياً مع البطاقة الشخصية ورخصة القيادة، بحيث يحاسب المواطن بحسبة بيع قيمة الليتر من الوقود بسعر الدعم، وحينما تنتهي حصته لنفس الشهر تنتهي صلاحية البطاقة، وبالتالي يشتري فيما زاد عن الدعم المقرر له بالسعر غير المدعوم، أو أن يحصل المواطن على بطاقة تمنحه عددًا من الليترات للمحروقات بما يعادل قيمة الدعم كل شهر، فيما تتحمل الجهات والشركات والمؤسسات وغير المواطنين تكلفة الدعم في سعره العالمي.

وتساءل الدكتور: "لماذا نرفع الدعم ولا نزيد الضرائب"، وقال: "كلنا نعلم أن زيادة الضرائب تنعكس مباشرة على المستهلك وليس التاجر، الذي يلجأ إلى رفع سعر البضائع والسلع، وهو ما يفرض على جهات الاختصاص مثل حماية المستهلك أن تعمل على ضبط الأسعار، وعدم السماح برفع قيمة أية سلعة مطلقًا، وعندما يُعلن عن رفع الدعم عن المحروقات يشمل القرار ألا مساس بأسعار السلع والخدمات، على أن يتم معاقبة المخالفين فورا ودون تراجع.

وأشار سنجور إلى أن رفع الدعم عن المحروقات يوفر مبلغا كبيرا يتم استنزافه حاليا لدعم معدات وسيارات الشركات الكبيرة، وهي مئات الآلاف، وفي الوقت الذي يستخدم فيه المواطن العادي سيارة صغيرة، تستخدم كبرى الشركات قوافل من السيارات رباعية الدفع وذات محركات أكبر تستهلك كميات أكبر من الوقود، مقارنة بالسيارات الصغيرة، وبالتالي يذهب الدعم إلى هذه الشركات التي تجني عوائد بالملايين من أعمالها.

وزاد: "نظراً إلى أن ضرائب الخدمات والسلع تنعكس على المواطن المستهلك بشكل مباشر، فإنّ النموذج الحي موجود على فاتورة بعض المطاعم السياحية بحيث تتحول قيمة الضريبة من عاتق المطعم إلى عاتق الزبون، ولذلك لا جدوى من رفعه وتبقى هذه الشركات هي فقط المستفيد الأول من الدعم الحكومي على المحروقات ومن رفع قيمة الضرائب".

وأوضح سنجور أن الدولة تملك سجلات وإحصاءات بما يمتلكه كل مواطن، وبالتالي يمكن تحديد من يستحق الدعم، ومن يحصل على قدر أعلى من الدعم، سواء كان نقديا أو في صورة وقود.

وتابع أنه يؤيد قرار رفع الدعم عن المحروقات وبشكل عاجل، بما يضمن وقف استنزاف الثروات والموارد، معارضاً زيادة الضرائب إذ إنها ستنعكس بالسلب على المواطن المستهلك الذي سيتحمل فاتورة ذلك القرار.

الاستقرار الاقتصادي

أما ناصر بن سعيد الهادي مدير الدراسات الاستراتيجية بالشركة الدولية، فقد قال إن رفع الدعم عن المحروقات وفرض ضرائب أمر بالغ الأهمية، وضروري تنفيذه وخاصة في هذه الظروف الحرجة التي تمر بها الدولة. وقال الهادي إن الوضع الحالي نتيجة تراكم العديد من السياسات الاقتصادية غير الموفقة التي اعتمدت على الإيرادات النفطية فقط، دون البحث عن بدائل لتوفير مورد مستدام. وبين الهادي أنّه قبل الخوض في تنفيذ هذه الآلية يجب مراجعة بعض السياسات المتمثلة في الإنفاق الحكومي غير المعقول، داعياً إلى أن تكون الحكومة هي القدوة في ترشيد الإنفاق ومحاربة الفساد الذي يستنزف الموارد، وبالتالي حشد المجتمع للوقوف بجانب الحكومة. وأضاف أنّه يتعين إعادة هيكلة الشركات الحكومية ومعرفة أوجه الخلل فيها، مشيرا إلى أن هناك أكثر من 60 شركه حكومية لا يعمل منها بجد سوى 5 شركات فقط، وتحقق عائدا مقبولاً، أما باقي الشركات فيتكبد خسائر تستنزف ميزانية الحكومة، موضحاً أهمية الحد من الدعم الموجه لهذه الشركات وتقليل الإنفاق الحكومي عليها والعلاوات الممنوحة للعاملين فيها رغم أنها تتكبد خسائر.

وأضاف الهادي أنه يتعين على الحكومة في الوقت الحالي تنفيذ خطوات مدروسة تتبع سياسة التدرج وتكون على مراحل لتجنب زعزعة استقرار الاقتصاد أو تسبب الاستياء الشعبي؛ وأن تتم هذه الخطوات على مراحل؛ لأنّ المواطن يُطالب بتوفير نظام متكامل للنقل داخل مسقط وخارجها يحل محل السيارة الخاصة، مشيرًا إلى أهمية الاستفادة من تجارب الدول الأخرى. واستشهد الهادي بالبرازيل، التي انتهجت سياسة التدرج في عملية رفع الدعم عن المحروقات من سنة 1990، وبدأت بالبترول في 1990 ثم الجازولين في 1996 ثم الغاز في 1998، وأخيرا الديزل في 2001، وكان آخر القطاعات التي طبق عليها رفع الدعم المصانع ومنظومة النقل البري العام.

وأوضح أنّه بناء على ما سبق، يمكن رفع الدعم عن الديزل كخطوة أولى بالسلطنة؛ حيث تشير المؤشرات الحكومية إلى أن كميات كبيرة من الديزل يتم تهريبها خارج البلاد، ومن ثم اتخاذ الخطوة الأخرى المتعلقة بالبنزين، كما يتعين اتخاذ قرارات محكمة تحد من ارتفاع نسب التضخم في أغلب السلع والخدمات وعوامل الإنتاج المختلفة في حالة إلغاء الدعم.

وفيما يتعلق بفرض الضرائب.. يؤيد الهادي فرض ضرائب جديدة، مؤكدًا أن السلطنة في أمس الحاجة إلى زيادة الموارد المالية، وتعزيز الإيرادات غير النفطية من خلال الضرائب المباشرة، مشيرا إلى إمكانية فرض رسوم وضرائب على تحويلات العاملين في السلطنة إلى الخارج. وأضاف أنّ استمرار إصدار السندات الحكومية لتغطية عجز الميزانية لا يمكن أن يستمر على المدى البعيد، إذ سينجم عنه امتصاص السيولة من البنوك، ويؤثر سلبًا على الأداء الاقتصادي الكلي للبلد.

أنواع الضرائب

وقال الاقتصادي عبد الله بن محمد الشيزاوي إن التقارير تشير إلى أن السلطنة تدعم الوقود للفرد العماني بقيمة 378 دولارا أمريكيا سنويا، وهو ما يظهر أن السلطنة تتكبد مبالغ طائلة في دعم الوقود، فيما لا يتم فرض ضرائب، ما يحرم الدولة من موارد دخل قد تحل أزمة عجز الميزانية. وأوضح أن المستفيد الأول من عدم وجود منظومة ضريبية حقيقية، هي الشركات الكبرى، التي تحقق أرباحاً دون أن تدفع ضرائب على هذه الأرباح.

وأضاف الشيزاوي أنّه يتعين على مجلس عمان أن يقر فرض ضرائب على التحويلات المالية إلى الخارج.

ويؤيد الشيزاوي فرض الضرائب بكافة أنواعها، شريطة تطبيق نظام التجارة الحرة، ومحاربة احتكار الخدمات والسلع، ورفع الضرائب على كبار التجار، بجانب تجزئة السجل التجاري إلى رخص تجارية مع رفع الرسوم لكل رخصة، مشيرًا إلى أنه من غير المقبول أن يحتوي سجل تجاري واحد على أنشطة عديدة وتظل الرسوم 40 ريالا فقط للدرجة الرابعة.

وحول قرار رفع الدعم عن المحروقات، يرى الشيزاوي أن السلطنة غير جاهزة لذلك؛ حيث إن رفع الدعم يبقى أمرا مثيرا للقلق، وربما تنجم عنه عواقب سلبية على المواطن، لاسيما وأن دخل الفرد في السلطنة لا يزال ضعيفًا، علاوة على وجود أعداد كبيرة من الباحثين عن عمل.

وشدد الشيزاوي على أهمية خفض النفقات وترشيد المخصصات المالية للعاملين في جهات حكومية مميزة، ومنها إلغاء المميزات التي يحظى بها البعض من حيث توفير مواد غذائية، ودفع فواتير الماء والكهرباء والهاتف، أو تعليم الأبناء بمدارس خاصة داخلية أو خارجية، فضلاً عن مميزات الحصول على تذاكر السفر وغيرها. ويرى الشيزاوي أنّه في حال تطبيق إلغاء الدعم على المحروقات، ينبغي منح الدعم لكل مواطن على سيارة واحدة على الأقل، يتم تحويله نقداً إلى حسابه الشخصي، داعيًا إلى التأني في تطبيق مثل هذه القرارات نظراً لحساسيتها الشعبية والنتائج التي قد تسفر عنها.

تعليق عبر الفيس بوك