دعوة لحب النفس


سمية النبهانية

إلى كل من يرى أنّه مشغول جدًا ولا يملك الوقت الكافي لنفسه، بل حتى لقراءة ما تبقى من أسطر المقال، كتبت هذه الكلمات لأجلك.

أنت يا عزيزي ويا عزيزتي لا تحبون أنفسكم بالقدر الذي تستحقه حتى إن كنتم تظنون العكس، وذلك لأنكم لم تستطيعوا خلق التوازن الكافي والمُناسب بين حقوقكم وواجباتكم والذي يحقق لكم رضا النفس والسعادة والنجاح الحقيقي.

ما نشترك فيه نحن العرب بشكل عام هو أننا لا نحب أنفسنا بالشكل الصحيح، فنحن نعيش للغير لا لأنفسنا، فعلى سبيل المثال نلحظ أنّه ومنذ طفولتنا، تتم تربيتنا على كيف نعيش للغير وخاصة المرأة، لذا يتم تعليمها كيف تقوم بالاعتناء بإخوتها الصغار في غياب والديها، وكيف تستذكر لهم دروسهم، وغيرها من التعاليم التي تفتقد في أحيان كثيرة لأسس تطوير ذات الإنسان، كتعويده على قراءة الكتب وممارسة مختلف الهوايات. كما نرى أنّه إن عجزت الفتاة عن تحصيل مجموع دراسي يؤهلها للدراسة الجامعية، في ظل عدم قدرة الأهل على إلحاقها بالكليات والجامعات الخاصة، فلن تكون هذه مشكلة كبيرة في الأسرة، وذلك لأنّ أمامها مشوار آخر من العطاء والذي يتمثل في خدمة الزوج وتربية الأبناء، مع عدم وجود أيّ خطأ في هذا إن سايره اهتمام المرأة بنفسها وتطوير ذاتها.. وعلى الرغم من أنّ هذا الكلام يبدو مجحفاً في حقنا وقاسيًا، إلا أنّ هذا ما يحدث في أحيان كثيرة للأسف الشديد.

والآن ومع مرور سنوات العمر، وحينما نتأمل يومنا منذ بدايته وحتى انتهائه، نشعر أنّ أمامنا الكثير لننجزه، ونتعجل لإنجازه لدرجة تحرمنا من الاستمتاع بالكثير من التفاصيل الجميلة في يومنا، بل وحتى الاهتمام بأنفسنا.

كما أنّ هناك آخرين يقضون يومهم دون أدنى خطة، بل ويشعرون بملل بسبب أنهم لم يقوموا بشيء!

وفي الحالتين، حينما نضع رأسنا على الوسادة ليلاً، ونستذكر كافة ما قمنا به طوال اليوم، قد لا نجد ما يستحق كل ذلك التوتر والاستعجال، أو حتى الملل والسأم، وأننا أعطينا الأحداث أكثر مما تستحق. بل ولم نطبق القليل من الأفكار التي كانت تتراقص في رأسنا طوال ذلك اليوم، كالأمنيات والأحلام التي تمثلنا بحق..

الكثير منّا على سبيل المثال يمضي يومه في العمل، وحينما ينتهي تتلقاه متطلبات المنزل وأبناؤه والمناسبات الاجتماعية، ومن ثم ينام ليستيقظ في اليوم التالي على ذات الروتين، وبالطبع تتباين الأولويات والانشغالات والحيز الذي تأخذه من يومنا، مع رابط واحد وهو أن ذاتنا ليست إحدى هذه الأولويات، لينتهي بنا المطاف حينما نبلغ من الكبر عتيا، فنجد أنفسنا، في غربة ووحدة، دون هواية نمارسها- على سبيل المثال- لأننا وببساطة لم نعتد على ذلك.

وفي المقابل، نرى عامة الغرب وتحديداً الأفراد الناجحين سعداء بوظائفهم، يأكلون طعامًا صحيًا، ويمارسون هوايات عديدة، وحينما يصلون لسن التقاعد تراهم قد ادخروا مالا كافيا ليجوبوا العالم ويستمتعوا بلحظات حياتهم.

ولقد التصقت عبارة "حب النفس" بالأنانية والتكبر والذي يعد في الحقيقة ظلمًا للنفس لا حبًا لها، بينما حب النفس الحقيقي يعني منحها حقها من العناية والاهتمام، والذي يتمثل في القرب من الله تعالى عزّ وجلّ، ومنح العبادات الوقت الكافي من يومنا، وتعني كذلك أكل الطعام الصحي وممارسة هواياتنا، وارتداء ملابس جميلة وأنيقة، وقراءة الكتب لتثقيف النفس. إنّها تعني باختصار منح النفس حقها من الاهتمام والعناية بتوازن.

لذا يا عزيزي، سوف تمر الأيام وأنت تركض وراء لقمة العيش، وراء الترقية، وتتفاجأ في لحظات صحوك أنّ أبناءك قد كبروا، وأنهم ما عادوا يمسكون بطرف ثوبك حينما تخرج من المنزل مترجين إياك أن تبقى معهم وهم جزء من ذاتك وسعادتك، حتى كبروا وسايروك طولاً ولم يعودوا بحاجة لك، بل وقد لا تجد منهم ما تتوقعه من عناية ورعاية حينما تكبر.

لذا التفت لنفسك واعتنِ بها، ففي النهاية تيقن أنّه لن يسعدك سوى نفسك، وأنك بلا شك تستحق أن تكون سعيدًا بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ.

Sumaya4044@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك