السباق إلى البيت الأبيض

حمود بن علي الطوقي

خلال تواجدي هذه الأيام في واشنطن وتتبعي لما يجري في الساحة الأمريكية توصلت إلى حقيقة مفادها أنّ المواطن هنا لا يكترث بتاتا لمتابعة ما يحدث في أروقة وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" أو ما يجري في البيت الأبيض أو حتى تلك القرارات الحاسمة التي تطبخ في الكونجرس.. وثبت لي بما لايدع مجالا للشك أنّ الرأي العام الأمريكي لا يهتم بلغة السياسة بل لا يفقه هذه اللغة ويهتم فقط بالحياة اليومية، والتي هي مقدسة بالنسبة له.. فالسواد الأعظم من الشعب الأمريكي حسب التقارير والإحصاءات يعتبر السياسة مضيعة للوقت وهدرًا للجهد والمال.

وفي الوقت الذي بدأت فيه عقارب الساعة تتسارع لوداع الرئيس الأمريكي بارك أوباما الذي ستنتهي ولايته في نوفمبر المقبل من عام 2016، رغم أن فترة إدارته للعجلة الأمريكية شهدت صراعات في الداخل والخارج، واختلاف الأمريكيين حول مواقفه السياسية ما بين مؤيدٍ لها ومعارض وانتقاد البعض لمواقفه تجاه بعض القضايا في الشرق الأوسط إلا أن الأغلبية يؤيدون مواقفه تجاه قضية نووي إيران والتوصل إلى اتفاق لحل هذه المشكلة، والتي كان للسلطنة دور كبير في حلها بفضل حنكة وحكمة جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله- والذي لعب دوراً مهما في حل هذه القضية المحورية، التي من المتوقع أن يتم التوقيع على بنودها خلال الشهر القادم هنا في واشنطن بعد أن توصلت الأطراف المتنازعة إلى صيغة الاتفاق.

وبالعودة إلى الجولات الانتخابية التي تشهد صراعًا بين الجمهوريين بقيادة المرشح الجمهوري الملياردير دونالد ترامب والديمقراطيين بقيادة المرأة الحديدية هيلاري كلينتون وهذه الأخيرة تخطى بتأييد من قبل الديمقراطيين إلا أن الرأي العام ما زال يتساءل حول حقيقة الإيميل الخاص الذي حذفته ولم تُعلن عنه وقد يكون هذا الإيميل السبب في خسارة وتراجع مؤيديها خاصة وأنّ الحزب الجمهوري يتفنن في تأجيج هذه القضية .

كما لفت انتباهي تلك الشعبية الكبيرة التي اكتسبها المرشح الجمهوري المثير للجدل الملياردير ومالك العقارات وسلسلة المنتجعات دونالد ترامب الذي وصلت نسبة مؤيديه حتى وقت كتابة هذا المقال إلى ٢٨% . وربما يكون قد اكتسب هذه الشعبية الكبيرة من خلال انتقاده اللاذع للإدارة الأمريكية التي زجت بالشعب الأمريكي في حروب لا صلة لهم بها كما يقول حيث يردد مقولته الشهيرة في كل تجمع تعبنا وسئمنا من الأكاذيب السياسية وتوريط الشعب الأمريكي في حروب لم نجنِ من ورائها سوى الدمار والخراب.

هذه الصراحة التي يتميز بها الملياردير ترامب خلقت له شعبية كبيرة ووجدت آذانًا صاغية لدى مؤيديه واعتبر البعض أنّه سيحمل لواء التغيير في السياسة الأمريكية الخارجية والداخلية.

أجندة " ترامب" مختلفة عن منافسيه في السباق إلى البيت الأبيض فهيلاري تسعى إلى تكملة أجندة حلفائها من الديمقراطيين ومنافسها الشرس يعِد بإعادة النظر في السياسة الأمريكية وإعادة فتح ملفات الهجرة غير المشروعة، وإيقاف دخول الملايين من المهاجرين المكسيك ومن جنسيات أخرى إلى أمريكا بهدف الحصول على الجنسيّة الأمريكية.

كما يتعهد بعودة قوة الماكينة الأمريكية في الإنتاج وعدم الاستيراد من الصين الدولة القوية التي أثرت على الاقتصاد الأمريكي .

"ترامب" الذي قرر أن يوظف ثروته لحملته الانتخابية والتي تقدر بنحو ٤٠٠ مليون دولار سنويًا وحظيت آراؤه باستحان مؤيديه انتقد الإدارة الأمريكية في خططها الاستثمارية ووصف بنيتها بأنّها ضعيفة رغم أنّ البنية الأمريكية قديمة إلا أن دولا حديثة كدول الخليج أصبحت متفوقة على البنية التحتيّة الأمريكية، وذكر على سبيل المثال لا الحصر البنية التحتية لكل من دولة قطر ومدينة دبي.

وفي جانب العلاقات الأمريكية العربية ينتقد" ترامب" تورط الإدارة الأمريكية في الحروب مع داعش والربيع العربي ويقول إن أموالا طائلة صرفت من قبل الإدارة الأمريكية بدون أية فوائد، ويرى أنّ أمريكا تكبدت خسائر ولم تحصل على أي شيء في المقابل.

ولترامب أيضا آراء حول القضية الفلسطينية ربما لا تخلو من الطرافة أو ربما السذاجة حيث يرى أن من حق الفلسطينيين أن يعيشوا حياة كريمة، ولكنّه يقترح أن يكون ذلك بعيداً عن الدولة اليهودية حيث يقترح بناء مدينة متكاملة في منتجع بورتوريكو للفلسطينيين وبناء مسجد شبيه بالمسجد الحرام، الذي يصفه بالمتنازع عليه، ويرى البعض أنّ هذا الرأي ربما يكون من تأثير اعتناق ابنته للديانة اليهودية، وتجد مثل هذه الآراء استحسانا من الجالية واللوبي اليهودي واستخفافا من الأمريكيين والجاليات العربية والمسلمة هنا في الولايات المتحدة الأمريكية. وختاماً علينا الاعتراف بأنّ السياسة الخارجية الأمريكية لن تتغير سواء كان الفائز بالسباق الرئاسي من الجمهوريين أو الديمقراطيين.

تعليق عبر الفيس بوك