حديث المدارس

عيسى الرَّواحي

حديث المدارس ينبغي أن يكون حديثَ المجالس، حديثَ كافة أطياف المجتمع وشرائحه؛ ذلك أنَّ مدارسنا هي نبض الوطن، وهي مرتع فلذات أكبادنا منذ طفولتهم إلى مقتبل شبابهم؛ ففيها يستقون التربية والأخلاق، ومنها ينهلون العلم والمعارف والآداب بشتى فنونها ومختلف طرائقها، كما أنَّ قضية التعليم في أيِّ بلد ينبغي أن تكون القضية الإستراتيجية الأولى عند الوطن والمواطن. ومما لا ريب فيه أنَّ الأخلاق الفاضلة والعلم النافع الناتجين عن التربية والتعليم بهما قوام المجتمعات والشعوب؛ لذا كان حريا أن تكون رؤانا التعليمية وقضايانا المدرسية وأحاديثنا التربوية لا تخص الطلابَ فقط، ولا تقتصر على المعلمين فحسب، وإنما هي قضايا الوطن والأمة، تعني كل فرد يعيش على تراب وطنه، ويستظل سماءه وينهل من خيراته.

كانت تلك كلمات كتبتها في مقدمة كتاب "حديث المدارس" الذي وفَّقني الله تعالى إلى إصداره في فبراير الماضي تزامنا مع معرض مسقط الدولي للكتاب، وبما أنَّنا على مشارف عام دراسي جديد، فإنَّنا نؤكد مجددا -وهو ما ذكرناه مرارا وتكرارا- أنَّ قضية التعليم هي قضية وطن بأكمله، ومسؤولية مجتمع بكافة شرائحه وأطيافه، كل حسب موقعه.

وحديث المدارس الذي نرجوه ونأمله على ألسنة أفراد المجتمع لا ينبغي أن يكون مقتصرا على أسعار المواد المكتبية والمستلزمات المدرسية، وكيفية توفيرها والحصول عليها، واقتصار المسؤولية التربوية في هذا الشأن على توفير هذه المواد للأبناء وينتهي الدور ويتوقف الحديث إلى حين إقبال عام دراسي جديد.

إنَّنا نأمل من الآباء وأرباب الأسر أن يكون حديث المدارس لديهم مبنيا على آفاق أرحب وبُعد أوسع ونظر أشمل يتمثَّل في شحذ همم الأبناء نحو الجد والاجتهاد والمثابرة في الدراسة وطلب العلم من أول يوم دراسي، والتمسك بالأخلاق الحسنة داخل الصرح المدرسي والتقيد بقواعد الانتظام الدراسي والانضباط السلوكي طيلة العام الدراسي، والقضاء على جميع الملهيات التي تقف حاجزا تجاه الأبناء في سبيل تحصيلهم الدراسي.

إنَّنا نأمل أن يكون حديث المدارس لديهم متمثلا في وضع خطط واضحة واقعية لمتابعة الأبناء دراسيا داخل البيت والمدرسة، وألا تقتصر زيارة المدارس من قبل الآباء عند الضرورة واستدعاء الأمر، وإنما هي متابعة مستمرة وفق خطة مرسومة من قبل ولي الأمر، وأن يسعى ولي الأمر من خلال هذا التواصل إلى بناء جسر من التعاون مع إدارة المدرسة ومعلميها لما يهم مصلحة أبنائه في التحصيل الدراسي والجانب السلوكي.

إنَّنا نأمل أن يكون حديث المدارس له أثره ووقعه وحقه بين كافة التربويين والتربويات، وفي جميع المدارس والمنتديات التربوية، حديثا يحمل التفاؤل والنظرة الإيجابية نحو الإبداع والتطوير والسعي الدؤوب في التغيير نحو الأفضل، والبحث المستمر في إيجاد الحلول لقضايا الطلاب وتطبيقها على أرض الواقع، حديثا بعيدا كلَّ البعد وخاليا من التشاؤم والسوداوية والتذمر واليأس والجمود الفكري.

إنَّنا نأمل أن يكون حديث المدارس بين الطلاب حديثَ حب العلم والمعرفة، حديث الشوق للمدرسة والعودة إليها، حديثا يحمل روح التنافس في طلب العلم ورغبة الاجتهاد والتفوق في التحصيل الدراسي.

إنَّنا نأمل أن يكون حديث المدارس حديثَ وسائل الإعلام المختلفة، حديثا يبحث في قضايا التعليم المختلفة يطرح المشكلات والتحديات، ويبحث الحلول والتطلعات من خلال إضافة المختصين والخبراء في هذا الشأن، حديثا بلغة الحسِّ الوطني البعيدة عن تلميع الصورة أو إبراز جانب منها وتغييب جوانبها الأخرى، حديثا لا يقتصر على فترة زمنية معينة تكون مطلع العام الدراسي ثم تنتهي، وإنما يظل حديثا مستمرا يتابع سير التعليم ومستجداته أولا بأول.

إنَّنا نأمل أن يكون لمحاضرات المساجد وخطب الجمعة ومقالات الصحف ونقاشات المنتديات نصيب وافر من حديث المدارس.

ومع اقتراب حلول العام الدراسي الجديد (2015-2016م)، فإنَّنا نتقدم بخالص التهاني وأصدق الأماني إلى جميع أبنائنا الطلاب والطالبات بهذه العودة الميمونة إلى مدارسهم (بيوتهم الثانية)، ومجددين التحية والتقدير إلى جميع التربويين والتربويات العاملين بالمدارس ومختلف مؤسسات وزارتنا الموقرة، سائلين الله تعالى أن يكون عاما دراسيا حافلا بالجد والاجتهاد والتوفيق والنجاح والبذل والعطاء، وأن يديم على وطننا العزيز نعمة الأمن والأمان والاستقرار، إنه سميع مجيب.. وكل عام والجميع بخير!

issa808@moe.om

تعليق عبر الفيس بوك