مرشحون بدون برامج انتخابية

د. سيف بن ناصر المعمري

إنّ الهدف من الانتخابات ليس الوصول بمرشحين معينين إلى مقاعد مجلس الشورى إنما هو الوصول ببرامج انتخابية ترتكز على أولويات وطنية يعمل عليها هؤلاء المرشحين في المجلس من أجل تعزيز التنمية في الفترة القادمة؛ هذه التحديات يفترض أن تكون ملموسة لدى المرشحين، قادرون على قراءتها قراءة نقدية واقعية، ولديهم تصور لكيفية التغلب عليها، أي لديهم رؤى وتصورات لحلول لها.

لا يمكن أن نتصور انتخابات تجرى للمرة الثامنة في البلد بدون تطور في صياغة البرامج الانتخابية للمرشحين، فالبلد اليوم بحاجة إلى أشخاص لديهم حلول لمشكلات التنمية، أما المرشحون الذين ليس لديهم قدرة على تحليل واقع التشريع والتنمية فسوف يكونون عبئا على المجلس، وبالتالي فوجود برامج انتخابية لا يجب أن يكون اختيارياً بل لابد أن يكون إجبارياً حتى يكون الناخبون قادرين على تمييز من هو الأجدر بخدمة الوطن من خلال المجلس، كما أن وجود مرشحين بدون أية برامج انتخابية لا يعكس التطور الذي يفترض أن المجلس وصل إليه، لأن اللجوء إلى الأسلوب التقليدي في حشد الأصوات بدون رؤية مرتبطة بوظائف المجلس لا يساهم في تطور الممارسة الديمقراطية، إنما يؤدي إلى تأخرها وتشويهها وتكريس ممارسات لا تتفق والديمقراطية الحقيقية القائمة على تقديم أعضاء لديهم رؤى تعليمية أو اقتصادية أو سياسية أو ثقافية أو اجتماعية، ولا يمكن التَعَرُّف على تلك الرؤى إلا من خلال وجود برامج انتخابية لهم لتقديم أنفسهم وتحليلاتهم للسياسات التنموية، وإبراز معرفتهم بالأطر السياسية والتشريعية التي وصلت إليها البلد حتى الفترة الحالية.

إننا نتوقع خلال هذه الفترة التي سُمح فيها للمرشحين بالقيام بالدعاية الانتخابية أن نجد أنفسنا أمام رغبة شديدة في معرفة إجابة لسؤال على قدر كبير من الأهمية، وهو ما القضايا التي سيركز عليها أغلب المرشحين في برامجهم الانتخابية؟ وسنكون مندفعين مع المرشحين الذين يتمكنون من تقديم إجابات نابعة من تحليل للواقع الوطني الذي يستند إلى ثوابت لابد أن يعيها هؤلاء المرشحين، لأنها مرتبطة بجوهر المسؤوليات التي يقوم عليها المجلس، كما أن هذا الواقع الوطني يواجه بتحديات مختلفة تتطلب إبرازها في هذه البرامج الانتخابية من أجل العمل عليها من داخل المجلس سواء من حيث التشريع أو الرقابة أو من خلال إعادة النظر في اتفاقيات أو تعديلها من أجل تحقيق الصالح العام.

من المتوقع في الدورة الثامنة أن يزداد عدد المرشحين الذين يُعبِّرون عن أنفسهم ببرامج انتخابية ورؤى تنموية، وأيضًا ألا يغلب الطابع الخدماتي على هذه البرامج في ظل عدم اختصاص الشورى بهذه الجوانب اليوم، كما يتوقع أن تتراجع الشعارات الفضفاضة أو الوعود غير العقلانية من برامج المرشحين لأن الجميع يتطلع إلى أن يرتكز البناء الديمقراطي في هذا البلد على وعود عملية وعقلانية قابلة للتحقيق في ضوء قراءة واقع البلد وتشابك عملية اتخاذ القرار فيه.

لكن لا شك أن وجود هذه التوقعات للبرامج الانتخابية لا يعني عدم الالتفات إلى الأسباب التي تؤدي عادة إلى تهميش البرامج الانتخابية من قبل كثير من المرشحين ويأتي في مقدمتها اعتمادهم الكلي على العامل القبلي في الوصول إلى المجلس مما يتطلب منهم في النهاية تغليب الخطاب القبلي على حساب الخطاب الوطني، بل إنّ التواصل مع الناخبين عادة يتم وفق هذه القاعدة وليس وفقًا لإبراز قدرات المرشح التنموية وكفاءته العلمية وخبراته الوطنية، وهناك عوامل أخرى تتمثل في عدم لجوء أغلب المرشحين إلى الاستناد إلى الدعاية الانتخابية التي تتطلب تشكيل فريق متخصص يساعدهم على تلبية متطلباتها القائمة على التواصل المتعدد القنوات، وعلى صياغة رسائل انتخابية للناخبين بمختلف مستوياتهم، بما يساعدهم على المفاضلة بين المرشحين وتقييمهم وفق الرؤى المتعددة التي يقدمونها، وقد يُعزى عدم الاهتمام بالبرنامج الانتخابي إلى الثقة الكبيرة في أن القدرة المالية هي الأسلوب الأفضل في حسم العملية الانتخابية، وهذا توجه لا يمكن أن ننكر قوة حضوره، وثقة بعض المرشحين في جدواه.

وجود انتخابات بدون برامج انتخابية ربما يعني وجود أعضاء لا يحملون أية أهداف وطنية، كما يعني أنّ الوعي الانتخابي لا يزال في حاجة إلى مزيد من العمل، ويعني أيضًا غياب الفرص الحقيقية للمفاضلة بين المرشحين في كل ولاية، إنّ الهدف من البرنامج الانتخابي هو أن يفرز لنا أفضل الأعضاء ليقود لنا المجلس لتحقيق تطلعاتنا في الدورة الثامنة، فهل ستكشف لنا هذه الأيام عن انتخابات ببرامج انتخابية عملية ووطنية متطورة؟.

تعليق عبر الفيس بوك