أمريكا.. أمريكا

فايزة سويلم الكلبانية

Faiza@alroya.info

استوقفتني كثير من المشاهد والمواقف المتباينة أثناء تجوالنا في ربوع الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن محطات نقل الركاب والمسافرين كان لها نصيب الأسد مما شهدته تجربتنا في الحياة بأمريكا؛ لكون تنقلاتنا عن طريقها بين الولايات الأمريكية أسهل وأسرع..

وأنا أشق طريقي عبر أروقة القطارات ملامسة الأنظمة المتبعة في وسائل المواصلات من حافلات أو تكاسي أو قطارات وما يوجد بها من خدمات كشبكات الانترنت على مدار الساعة، استوقفتني هذه المشاهد، وجعلتني أسرح بأفكاري إلى عالمنا البعيد بدول الخليج مع مشروع السكة الحديد المرتقب، والذي سيربط بين مختلف دول الخليج العربي، فهل ستبقينا أقدارنا لنعيش متعة هذه النقلة النوعيّة في عالم المواصلات بدولنا؟ وهل يا ترى سنُحسِن استخدام هذا المشروع بالطرق المُثلى مما سيعود علينا باﻷهداف المرجوة اقتصاديُا؟ فعلا إنّ عالمنا لابد له وأن يستعجل في منظومة التقدّم والتطور مستقبلا.. لنلحق دول العالم المتقدم بمئات السنين في كل هذه المشاريع.

إنّ الحياة بطبيعتها في أمريكا تشبه غيرها من مختلف دول العالم من حيث وجود عدد من الجنسيات فيها؛ فمنهم الزائر والمقيم والمغترب والطالب والباحث عن عمل والمهاجر، لاسيما أن البعض يرى أمريكا بأنّها عمق الغرب لما تمتاز به من مقومات وقوة سياسية واقتصادية وعسكرية.. فكما هو الحال في كل دولة نجد السلبي واﻹيجابي كذلك الحياة وواقع الحال في أمريكا.." الحياة ليست وردية دومًا " كما قد يتصوّرها البعض ..

وهنا يبقى التاريخ شاهدًا على تلك العلاقة التي قامت بين الأمريكيين البيض والسود والتي جسّدت بطولتها المناضلة (روزا باركس) ذات البشرة السمراء والتي كانت تعمل خياطة، حينماعبرت ذات يوم روزا الطريق ووقفت تنتظر الحافلة كي تقلها إلى وجهتها، وأثناء وقوفها الذي استمر لعشر دقائق كانت (روزا) تشاهد في ألم منظر مألوف في أمريكا آنذاك قيام الرجل الأسود من كرسيه ليجلس مكانه رجل أبيض !!

لم يكن هذا السلوك وقتها نابعًا من روح أخويّة، أو لمسة حضارية بل لأنّ القانون الأمريكي آنذاك كان يمنع منعًا باتًا جلوس الرجل الأسود والأبيض واقف.. وهذه إحدى أساليب التمييز العنصرية آنذاك بين البيض والسود في أمريكا.

وبما أنّ روزا قالت "لا" لهذا للقانون الذي يسيء لكرامتها وأبت أن تقوم من مقعدها ليجلس الفتى اﻷبيض وقاومت السب والتوعد والشتم من سائق الحافلة والركاب البيض، والذي تم على إثرها رفع قضية على روزا لتعديها القانون.. وبالفعل تمّ التحقيق معها وتغريمها 15 دولارًا، نظير تعديها على حقوق الغير.. ويا للعجب من يأتي بحق روزا إذن؟!

ومن هنا انطلقت الشرارة في سماء أمريكا، وثارت ثائرة السود بجميع الولايات المتحدة، وقرروا مقاطعة وسائل المواصلات، والمطالبة بحقوقهم كبشر لهم حق الحياة والمعاملة الكريمة، واستمرت حالة الغليان والثورة مدة طويلة امتدت إلى 381 يومًا، أصابت خلالها أمريكا بانقلابات واضطرابات مزمنة.

والجميل بأنّ شجاعة وإقدام روزا كان سببًا في إلغاء ذلك العرف الجائر وكثير من الأعراف والقوانين العنصرية التي تسيء للسود، وخرجت المحكمة بحكمها الذي نصر روزا باركس في محنتها، وأوجدت للسود كيانًا من الاحترام وتحسين أوضاعهم في الحياة بأمريكا.. واليوم ما نلحظه من تعاون بين الطرفين لا يجعل أحدا يلمس ذاك التميز العنصري .

فمن خلال مطالعاتي المتواضعة في هذا الشأن، تعجبت من تعسف القانون اﻷمريكي آنذاك، فهناك العديد من الممارسات العنصريّة التي كانت تصيب (روزا) وغيرها من أبناء جنسها بحالة من الحزن والألم والغضب لكونهم يعاملون دون المستوى، ومن الأمثلة التي كانت تثير الغضب والحزن والإساءة في نفوس السود لدرجة أنّه وإن كانت الجالسة امرأة سوداء عجوز وكان الواقف شابا أبيض في أولى مراحل شبابه، فجلوس العجوز ووقوف الفتى يعد مخالفة تُجرّم وتُغرم عليها العجوز..!! والعجيب أيضًا أنه كان من الطبيعي جدًا أن تجد لوحة معلقة على باب أحد المحلات التجاريّة أو المطاعم مكتوب عليها "ممنوع دخول القطط والكلاب والسود".

أمريكا أرض الاحلام حيث تتعايش ثقافات مختلفة بتعدد الجنسيات، والكثير من أصحاب الجنسيات الأخرى يمكنهم الحصول على الجنسية الأمريكية كونهم متواجدين بهذه الأرض منذ سنوات طويلة..وكل من يولد في أمريكا يحق له الحصول على الجنسية الأمريكية ولكن يبقى الحنين للمكان الأول..و كما أخبرتنا الغالبية من صادفناهم هنا من اخوة واصدقاء عرب دفعهم البحث عن حياة كريمة لهذا المكان ليستقروا فيه بعيدا عن أوطان شردتهم.. أمريكا تبحث عن أياد عاملة تساهم في تنشيط الاقتصاد وتطوير البلاد فتمنحهم الجنسية وفي ذات الوقت يسهمون في العملية التنموية.. فالجنسية بشروط ميسرة تأتي ولكن ضريبتها غالية وهي "الغربة"..

همسة من "أمريكا"...

الحياة في أمريكا قد تسعدني كزائرة وسائحة؛ ولكنها تبقى صعبة وثمنها فادح لمن يختارها "وطنا ثانيا"..

"الغربة" ليست غربة الروح.. وإنما غربة الأوطان

"بوسطن".. هناك رسمت لي حلما جميلا.. ولابد لي من عودة ﻷجلك أيّها الحلم المنتظر..

فلتمطر السماء اليوم... ليمطر معها اﻷمل..

تعليق عبر الفيس بوك